وفي هذه القصيدة غموض يحاكي غموض الحقيقة. والفقرة الأخيرة منها تدل على ما ساور الشاعر من الندم الممض والألم العنيف. ولكن لماذا الندم؟ هل على معرفة الحقيقة؟ ولكن هل هي الحقيقة الكامنة وراء الحجاب عرفها؟! كنا نود أن نعرفها كما عرفها، ونتذوق بعد ذلك ما تذوق الرجل في سبيل معرفتها - ولكنني أخشى من إن الرجل لم ير - وراء التمثال_إلا ما يحمل عادة التمثال! والوثنيون إنما يعبدون من التمثال ما نسجت قلوبهم وراء ملامحه من أقداس وطهارة. ولو أنهم تمثلوا ما يعبدونه بعقولهم لما رأوا إلا حجارة مسندة لا تضر ولا تنفع. وهؤلاء وغيرهم ممن ينشأون في كل عصر إنما يعبدون ما تصوره لهم قلوبهم وترسمه نفوسهم، وهل تساوي اثنان من شريعة واحدة في عبادة واحدة؟ ذلك يتمثل في صلاته شيئاً لا يتمثله الآخر، مع أن الصلاة واحدة والوجهة واحدة. وسر هذا الخلاف يعود إلى ما يتمثله هذا القلب المباين لذلك القلب في كثير من ضروب التفكير والشعور. وما أكثر أولئك الذين إذا منعتهم عن عبادة تمثالهم المقدس! وأريتهم حقيقة عارية، تقتل أمانيهم وتهدم حياتهم، فيودون لو بقوا في جهالتهم سادرين ناعمين!!
هذه الحقيقة التي تكاد تمثلها هذه النقطة هي حقيقة العدم! ولكن هل أراد الشاعر أن يصل إلى هذه الحقيقة؟ انه وصل إليها طوعاً أو كرهاً، ولكنه ندم لانه أضاع قيمة حياته! وهو إنما يريد أن يعرف شيئا من الحياة هو أقدس وأسمى من حقيقة الفناء!
ما كان أدنى شيللر بهدوئه وكآبته الصامتة في أيامه الأخيرة من هذا الرجل الذي أخذ يتلاشى بعد معرفته الحقيقة، فقد أخذت حوادث الدهر وصور الموت تجوز إلى نفسه، وهذه مقطوعة (الناقوس)
(في فناء الكنيسة تتهادى رنات الناقوس! تلك الرنات العالية التي ترافق أغاني القبر. تنبئ عن عبور المسافر الذي مضى إلى ملجئه الأخير. وا أسفاه!! هذا المسافر هو زوجة عزيزة! أو أم اختطفها الموت من حضن زوجها، ومن بين أولادها الذين منحتهم السعادة والغبطة، وأرضعتهم بمحبة ورفق. هذه الروابط الجميلة تقطعت إلى الأبد
لأنها نزلت إلى مثوى مظلم عميق. . . هذه الأم!)
كانت هذه القصيدة بعد ثلاثة أعوام لسان حال شيللر في الحوادث التي تتالت عليه، فقد