نافورات طبيعية يخرج منها الماء راغياً مزبداً، فحملق فيها من الدهشة، وذهب عنه لعب الطفولة وعبثها، وعاد أدراجَه يفكر تفكير الرجال. ما سبب هذه العيون وكيف كانت؟ لم يُحر جواباً إلا حكاية حكاها له ذووه والقسيس: أن فتيات جميلات ذهبن في الغاب فَضلِلْنَ الطريق بين أحراجه، فأحَسن الوحشة، فبكين، فانقلبت دموعهن عيوناً تتفجر ما شاء الله
وكان (لازارو) ابناً طيعاً، وان فيه خُلق الساسة، فلم يجادل أباه ولا القسيس، وإنما سخر من تعليلهم وأخفى سخريته في نفسه، واعتزم أن يكشف عن سر هذه النوافير يوماً
وكان (اسبلنزاني) في صباه شغوفاً بالكشف عن أسرار الطبيعة شغف (لوفن هوك)، ولكنه خالفه في السبيل التي سلك ليكون عالماً باحثاُ. قال لنفسه:(والدي يصر على تعليمي القانون، وأنا أصر على غير القانون، إذن فسيعلمن مشيئة من تكون). وتظاهر أمام والده بحب القانون والإقبال على الوثائق الشرعية، ولكنه أقبل في كل أوقات فراغه إقبالاً مريعاً على دراسة الرياضة والمنطق واللغة الإغريقية والفرنسية، وفي عطلاته كان ينظر إلى الأحجار تطير فتكشط جلد الأنهار، وإلى الماء الفوار يتدفع من النبع الثرثار، ويحلم بالبراكين تقذف بالنيران مختلفة الألوان، ويحلم باليوم الذي يفقه فيه منشأها ومنتهاها
واستيقظت في نفسه الحيلة، فذهب إلى العالم الطبيعي الشهير (فالسنيري) وأفضى إليه بمكنون علمه فأكبره الرجل العظيم وصاح به: (إنك يا بني خلقت للعلوم فما إضاعة وقتك في كتب القانون؟). فقال الماكر:(ولكن، سيدي، إن أبي يصر، وما للابن غير الطاعة!)
فذهب فالسنيري إلى أبيه غاضباً حانقاً، فلما لقيه وبخه على العبث بمواهب إبنه وإضاعته في تعلم صناعة لا يعود عليه منها غير النفع والمال. (إن ولدك يا هذا يبشر أن يكون بحاثة كبيراً. إنه يشبه جاليليو. وسيشرف اسكانديانو ويرفع ذكرها في الوجود)
ورضي الوالد وذهب الإبن إلى جامعة ريجيو ليحترف دراسة العلوم
وكان الزمان قد استدار قليلاً، فأصبح طالب العلوم الطبيعية ذا حظ أوفر من احترام الناس، ونصيب أكبر من الأمن على نفسه وحياته عما كان الحال يوم بدأ (لوفن هوك) ينحت عدساته. فان محكمة التفتيش كانت قد بدأت تتخاذل قليلاً، وتستر أنياباً كشفت عنها طويلا، فأخذت تطلب الزندقة، لا عند المعروفين النابهين أمثال سرفيتوس وجاليلو، بل عند النكرات الخاملين، فعلى هؤلاء المستضعفين تجنت، وألسنتهم قطعت، وأبدانهم حرقت ولم