تعد (المدرسة المتسترة) تتستر، فقد كانت خرجت عن أقبيتها السوداء وقيعانها الظلماء، إلى ظهر الأرض حيث الهواء والضياء. ونالت الجمعيات العلمية في كل مكان رعاية الملوك وحماية البرلمانات. وأصبح من المأذون به أن يتشكك الناس في الخرافات، وأن يتحدث الناس حديث الترهات الشاسعة، حتى لبدأ أن يكون ذلك سمة العصر، والطراز الجديد المختار لذلك الزمان. وأخذ الناس يطلبون الحقيقة وقاموا يبحثون عنها في الطبيعة. ولم يلبث البحث العلمي، بما يتضمنه من لذة وما بلغه من وقار، أن شق لنفسه طريقاً إلى حظائر الفلاسفة، فقطع عليهم عزلتهم وحركهم عن سكونهم. فقام فولتير إلى ريف فرنسا وأوحاشها، وقضى فيها السنين الطوال يتفقه فيما اكتشفه نيوتن، لينشره في قومه من بعد ذلك ويؤلفهم عليه. ودخل العلم حتى في دور الندوة، والصالونات الفخمة، فاختلط فيها بالسمر النادر، واختلط فيها أحياناً بالعهر الفاخر. وأكب ذوات العصر، وذوات المجتمع أمثال مدام بمبادور على دائرة المعارف المحرمة يطلبون عندها فن توريد الخدود وتزجيج الحواجب، وصناعة الجوارب، وإلى جانب ما أثاره العصر المجيد الذي عاش فيه اسبالنزاني من الاهتمام بكل شيء كبير وصغير، من ميكانيكا النجوم إلى رقصات الأحياء الصغيرة في الماء، أخذ يشيع في الناس احتقارا مسموعا للدين، ولكل رأي حمته سلطة من أي نوع كانت، حتى تلك الآراء التي بلغت من القدم والقداسة مبلغاً كبيراً. ففي القرن الأسبق كان الرجل يعرض نفسه للأذى وحياته للخطر إذا هو قرأ كتب أرسطو في الحيوان، وضحك على ما فيها من حيوانات معكوسة مقلوبة لا تمت إلى الممكنات بسبب قريب أو بعيد. أما في هذا القرن فالرجل كان يستطيع أن يكشف عن سنه في نور النهار باسماً ساخراً وأن يقول ولو في شيء من الخفوت: لأنه أرسطو لا بد من تصديقه ولو كذب. على أن الدنيا كان لا يزال بها جهل كثير، وعلم كاذب كثير، حتى في الجمعيات الملكية والأكاديميات. وما كاد (اسبالنزاني) أن يتخلص من دراسة القانون، ومما يتبعه من مستقبل مليء بالمحاكمات التي لا حصر لها، والمخاصمات التي لا نهاية لها، حتى قام يحصل بكل ما فيه من قوة كل ما يستطيع من معرفة، من أي نوع كانت، ويمتحن شتى النظريات من أي مصدر جاءت، وأن ينفض عن نفسه احترام المحجّات الثّقات مهما علا صيتهم وشاع ذكرهم، واختلط بكل الناس من الأساقفة السمان، إلى موظفي الحكومة، إلى