للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في السماوات، كما أنه من الظلم أن يتهم قصصي بالسرقة من قصصي آخر لمجرد اتفاق الفكر بين الكاتبين

نعم في الأدب العربي كما في أدب كل أمة جماعة من اللصوص الذين يحبون أن ينسب دائماً فضل غيرهم إليهم. وهذا النوع من اللصوصية جريء كل الجرأة، لأنه لا يستحي ولا يخشى النقد إذا ما ضبط. . . ولكن الغالب في هذا النوع أنه يتوارى متى كشف الناس أمره وتبين للناقدين زيفه

وهذا النوع لا يعنينا أن نكتب عنه لأنه لا يستحق الكتابة قدر استحقاقه العقاب. أما ما نقصد إليه فهو هذه المعاني الزاخرة المشتركة بين النفوس الإنسانية التي تعد بالملايين. . . هذه المعاني التي تدور على بعض النفوس، وتشترك في بعض الخواطر، ويعتلج بها بعض الصدور، فإذا ما سجلها بعضهم بالكتابة سمعت صيحات عالية تنادي أن هذه سرقة، وأن هذا المعنى لفلان دون فلان

وليس غريباً أن يتفق الشاعران أو الكاتبان في الفكرة الواحدة أو أن يقع في بعض النفوس ما يقع في البعض الآخر. وهذا النبع العظيم من التفكير الإنساني لابد أن يجد له مسيلاً في نفوس كثيرة متشابهة. فكثيراً ما نرى بعض الناس في أحاديثهم الخاصة تتفق أفكارهم الخاصة في لحظة معينة بذاتها. كأنما ألهم كل منهما الرأي إلهاماً

وكثيراً ما نسمع بين المتحادثين هذه العبارة المألوفة (عمرك أطول من عمري) وهي عبارة لا نحاول أن نثبت بها قضية نذهب إليها؛ وإنما نسوقها فقط لنبرهن بها على ما يجري بين المتخاطبين من توافق في الأفكار أو الألفاظ، كما يقع في كثير من الأحيان

والسرقة هنا أمر عظيم وحادث جليل؛ والاتهام بها ليس من السهولة بحيث يستطيع توافق الأفكار أن يؤيده. أما سرقة الماديات فمن السهل إثباتها وإقامة الدليل عليها، لأنها في أبسط تعبير انتقال شيء من يد مالكه إلى يد مغتصبه. فملكية المالك هنا ظاهرة واضحة مشهود عليها بألف دليل ودليل. . . واغتصاب السارق لها واضح ظاهر مشهود عليه بألف دليل ودليل

أما ملكية الأفكار فمن الصعب إثباتها لوقوع الفكر دائماً على الشيوع لا على الاختصاص. والذين يضيقون علينا سبل التفكير والإنتاج والاجتهاد إنما يضيقون على أنفسهم، لأنهم في

<<  <  ج:
ص:  >  >>