كثير من الأحوال غرضٌ يُرمَى كما يَرمْون. والواقع أن السرقة - بمعنى اتفاق الأفكار - موجود في كل نفس، لأن كل نفس بشرية يجري عليها الإحساس والعواطف والانفعالات وهي أمور مشتركة في الإنسانية جميعاً
وقد يكون وقع في مسرحية بشر فارس من الأفكار ما وقع في إحدى قصائد العقاد، وليس في ذلك مطعن على بشر ولا مفخر للعقاد
وقد وقع أكثر من هذا للفحول من كتاب الغرب فلم ينقص ذلك من مقامهم العلمي أو الأدبي، ولم يحجم التاريخ عن وضعهم في أماكنهم الصحيحة من سجل الخالدين. ولعلك تعجب إذا علمت أن موليير القصصي الفرنسي العظيم اتُّهم - في حياته - بالسطو على قصص غيره من المعاصرين والسابقين، فكان رده اعترافاً منه بالسرقة إذ يقول:(أنني وجدت شيئاً نافعاً فلا أحجم عن أخذه للانتفاع به). كما كان (تشسترتون) زعيم الحركة الرجعية في إنجلترا في العصر الحديث يُتَّهَم من برنارد شو وويلز بالسطو عل معاني الصغار من كتاب الصحافة البريطانية
والعقاد في شعره وفي كتابته غني بالمعاني، إلا أن هذا الغنى لم يكن ميراثاً خاصاً به؛ فهو ولا شك قرأ كثيراً وأفاد كثيراً مما قرأ. ولا شك أن رأسه يزدحم بكثير من المعاني التي تعرض له في مطالعته.
فليس ينقص من قدر العقاد أنه يشترك في كثير من معانيه مع كثير غيره من كتاب الإنسانية الذين يحسون إحساسه، ويتأثرون تأثيره
وعبد الرحمن شكري يعترف في مقال له بمقتطف مايو ١٩٣٩ بأنه كان يحتذي شعراء الصنعة العباسية. فما قال منصف إنه سارق، ولكن قال المنصفون إنه متأثر. ولم يعب عليه المرحوم حافظ إبراهيم هذا التأثر (الاحتذاء) وهذه المعارضة بل أثنى عليهما. ولما سافر شكري إلى إنجلترا كان احتذاؤه الشعر الإنكليزي في توليد الموضوعات الجديدة لا في أساليبه
على أن الشاعر أو الكاتب لا يستغني في إنتاجه عن التأثر - المقصود وغير المقصود - بما يقرؤه، ولا يسلم من ذلك التأثر فحل من الشعراء أو مبرز من الكتاب. فالأستاذ أحمد حسن الزيات قد تأثر في مقاله (بين المهاجرين والأنصار)(الرسالة عدد ٣٦٨) بفكرة