القدامى من أعلام السلف؛ ففي النجوم الزاهرة: أن الإمام أبا بكر الأنصاري كان إذا سئل عن سنه يقول: أقبلوا على شأنكم، لا ينبغي لأحد أن يُخبر عن سنه؛ إن كان صغيراً يستحقروه، وإن كان كبيراً يستهرموه! ثم ينشد:
لي مُدّة لابدّ بالغها ... فإذا انقضت وتصرمت مِتُّ
لو عاندتني الأسدُ ضاربةً ... ما ضرّني ما لم يَج الوقت
وفي نفح الطيب يحدث المقَّري الأكبر عن نفسه قائلاً:
كان مولدي بتلمسان، ووقفت على تاريخ ذلك، ولكني رأيت الصفح عنه، لأن أبا الحسن بنُ مؤمن سأل أبا طاهر السَّلفي عن سنه، فقال: أقبل على شأنك؛ فإني سألت أبا الفتح بن زيّان عن سنه فقال: أقبل على شأنك؛ فإني سألت علي بن محمد ابن اللبان عن سنه فقال: أقبل على شأنك؛ فإني سالت حمزة ابن يوسف السهمي عن سنه، فقال: أقبل على شأنك؛ فإني سألت أبا بكر المنقري عن سنه، فقال: أقبل على شأنك؛ فإني سألت الترمذيّ عن سنه فقال: أقبل على شأنك؛ فإني سألت بعض أصحاب الشافعي عن سنه فقال: أقبل على شأنك؛ فإني سألت الشافعي عن سنه فقال: أقبل على شأنك؛ فإني سألت مالك بن أنس عن سنه، فقال: أقبل على شأنك؛ ليس من المروءة للرجل أن يخبر عن سنه!
وقد زاد بعض الأقدمين على كتمان السنّ، كتمان السر والمال والمذهب، وفيها يقول الحسين البغدادي كما نقله معجم الأدباء:
احفظ لسانك لا تبح بثلاثةٍ ... سر ومالٍ، ما استطعت، ومذهب
فعلى الثلاثة تُبْتلَى بثلاثة ... بمفكّر وبحاسد ومكذّب
وقد جاء في كتمان المال: ما رواه الكامل في المبرد: من أن عبد الملك بن مروان سأل عبد الله بن يزيد بن خالد - وكان من العقلاء - عن مقدار ماله، فقال له: شيئان لا عيلة عليْ معهما: الرضاء عن الله، والغنى عن الناس. فلما خرج قيل له: هلا أخبرت الخليفة! قال: لا يعدو أن يكون قليلاً فيحقرني، أو كثيراً فيحسدني.