(شهرزاد) و (سليمان الحكيم)، سواء أكان هذا أم ذاك فإنك تخرج من هذا (الصراع الفكري) بظاهرة فنية ملموسة، وهي أن شخصيات توفيق الحكيم القصصية تفرمن الواقع هنا وهناك. . . ومرة أخرى تجد هذا الفنان منعكساً بلحمه ودمه على صفحة فنه، لماذا؟ لأن هذه هي طبيعته النفسية والفكرية؛ لقد قدر له أن يلقى الحياة بهذه الطبيعة العجيبة، يلقاها ليفر منها، جرياً وراء الحقيقة أو جرياً وراء الخيال!
(الصراع الفكري) هو السمة الغالبة على آثار توفيق الحكيم الفنية، أما (الصراع النفسي) فلن تجد منه إلا ومضات لا تلبث أن تشع حتى تختفي. . . في هذا التيه من التأملات الفكرية والتهويمات الذهنية، وتستطيع أن تلمس هذا بوضوح في (أوديب الملك)؛ لقد حاول توفيق الحكيم جاهداً أن يتخلص من هذه الظاهرة التي تفرض نفسها على فنه ليبتعد بتمثيلية سوفو كل عن حيز (المسرح الذهني) ولكنه لم يستطع. . . من هنا تنبع شكواي من فن توفيق الحكيم؛ شكواي من انعدام (الصراع النفسي)! إن أول مزية من مزايا هذا الصراع هي أنه حين يرسم لك الخطوط الرئيسية في مشهد من المشاهد أو في شخصية من الشخصيات، يجعلك تعيش بفكرك وشعورك في محيط هذا الجو الذي تمتزج به ويمتزج بك، فإذا أنت متجهم في جو المشهد القاتم والشخصية العابسة، وإذا أنت منطلق الأسارير في جو المشهد الوضيء والشخصية الباسمة. . . لهذا كله لم يهزني (أوديب) في محنته؛ أوديب الذي تحالفت عليه المقادير فقتل أباه وتزوج من أمه. وكذلك لم تهزني (جوكاستا) الشقية البائسة؛ جوكاستا التي تنجاب عن عينيها الغشاوة يوماً فترى أن الزوج هو الابن، وأن الأطفال الأحباء قد خرجوا إلى الحياة، كما خرج أبوهم من قبل. . . خرجوا جميعاً من بطن واحد!
هذا النقص في (الصراع النفسي) تحل محله موهبة أخرى في (الصراع الفكري)، ولولا هذه الموهبة الفذة لما ملئ هذا الفراغ في فن توفيق الحكيم. . . إن طبيعته القلقة قد انعكست على شخصيته الفنية فأكتسبها فيضاً من المزايا التي لا تجتمع كثيراً لغير هذا الفنان: منها هذه الحرارة المتدفقة التي يضفيها على فنه إشعاع ساطع من عنف الصراع ونفاذ التأملات، وتلك الحركة الجياشة التي تشيع في ثنايا المواقف النابضة بالحيوية والانطلاق.