للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومع ذلك فأنل أرجو من الذين قرءوا (أوديب الملك) وغيرها من المسرحيات التي يطبعها طابع (الصراع الفكري) أن يرجعوا إلى (سليمان الحكيم). . . إنهم سيلمسون ظاهرة فريدة لا عهد لهم بها في فن توفيق الحكيم. ظاهرة وقفت عندها وأطلت الوقوف، ودرستها في كثير من التأمل وإنعام الفكر. . . (صراع نفسي) وهذا هو العجب، (وقلب إنساني) وهذا هو الأعجب! ترى أكان توفيق يوم كتب (سليمان الحكيم) يعيش نفس التجربة التي صورها بريشته لقلب (بلقيس) حين خاض هذا المعترك الرهيب بين حب (منذر) وجاه (سليمان)؟ أكاد أقطع بصحة هذا الظن، وإلا لما استطاع توفيق الحكيم أن يهزني كل تلك الهزات الشعورية العميقة في هذا العمل الناضج من أعماله الفنية؛ أقول (هزات شعورية) لأن العهد بتوفيق الحكيم أنه في أغلب آثاره لا يهز قارئه إلا (هزات فكرية)!. . .

(سليمان الحكيم) في إنتاجه كله تقف وحدها متفردة باكتمال (الصراع النفسي) وقوة النبضات في القلب الإنساني، وحكم التفرد أمر لا يقاس عليه إذا ما أقمنا الميزان للشخصية الفنية على مدار إنتاجها كله؛ ومعنى هذا أنني أعود فأكرر بأن (الصراع الفكري) هو السمة الغالبة على آثار توفيق الحكيم في واقع الفن وواقع الحياة!.

تعال بعد ذلك أحدثك عن موهبة أخرى في فن توفيق الحكيم هي موهبة الحوار - قد تقول لي إن توفيق الحكيم ينطق شخوص قصصه ومسرحياته في بعض الأحيان بما يبعد عن أن تنطقهم به الحياة. إنني أوافقك على ما تقول، ولكنك لا تستطيع أن تنكر أنه يدير دفة الحوار بمهارة فائقة تنسيك هذا الجانب الذي يلوح منه شبح الاعتراض. ولا تستطيع أن تنكر أيضاً أنه قصاص قادر على الانفعال في تلك المواقف التي تتطلب دفقات هائلة من السرعة والحركة وحرارة التعبير، وتلك مزية تنقص الكثيرين من كتاب القصة!

أما الموهبة الأخيرة التي تهزني في فن توفيق الحكيم فهي أن القصة بين يديه تمتاز با (التصميم الفني). . . إنه يعرف كيف تبدأ القصة، وكيف تسير. وكيف تنتهي، دون أن يكون هناك شذوذ أو اضطراب في هذه المراحل الثلاث؟

هذا هو كل ما يمكنني أن أقدمه إلى الأستاذ محمد عادل المرصفاوي في حدود المجال الذي طلب إلي أن أكتب فيه، وأنني لأرجو أن أكون قد وضعت بين يديه مفتاح هذا الباب الموصد أو مفتاح هذه القلعة المغلقة. . . على حد تعبيره حين كتب إلى مشيراً إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>