من عنت وإرهاق، ولن يستطيع أن يثنيه عن إيمانه بها ثان على حد قوله:(وما تحرجوني فلن تخرجوني).
وسيبقى ذلك الصابر الذي لا يتزحزح عن عقيدته ولو رجمه الناس:
لئن ترجموني غفرت لكم ... وإن تتبعوني ففي ذمتي
فكأنه بطل من أبطال الإيمان الأولين يضحي في سبيل عقيدته حتى بالنفس، ومثل هذا السخاء يقدر ولكنه في غير الأدب، والصبر والإيمان محمودان ولكن في غير هذا الشأن لاسيما وهو لا يعود على الأمة أو على الأدب بخير، حتى ولا على صاحبه بشبه خير أو فائدة.
فالأدب ميدان تقرع فيه الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان ومن قويت حجته رجحت كفته ومشى وراءه تابعوه وإلا خذل وانفرط من حوله حتى عقد المقربين.
وإيثار المعنى مستحب ما في ذلك ريب ولكن الاستهتار باللفظ من اجل المعنى مجتوى مذموم، وإننا لنلوم الأستاذ قازان لوما شديدا عندما نراه يلجأ في أداء معانية إلى اللفظ السقيم لا عن جهل أو قصور ولكن عن سابق تعمد وتصميم، على تعبير أهل القانون، كما يؤكد ذلك صديقة الأستاذ توفيق ضعون عضو العصبة الأندلسية في البرازيل وواضع مقدمة (معلقة الأرز).
ونحن لسنا من المتزمتين ولا المتعنتين في تمسكنا بقواعد اللغة وأوزان الشعر، ولسنا من دعاة التقيد ولا الجمود إن أهبنا بالأدباء أن يلزموا في بيانهم وجه الصواب، ولكنا من دعاة التجدد مثله إلا أن الفرق بيننا هو في تحديد معنى التجديد. إننا من الأولي يطربهم المعنى الجميل ولكن في اللفظ الجميل، وتهزهم الفكرة الفذة ولكن إذا صيغت في قالب مصقول، لأننا نربأ أن تصبح اللغة فوضى في حين أن لها ضوابط وقواعد يتحتم على من يريد الإبانة فيها أن يتقنها.
إننا نضن بها أن تنحدر من سمتها الرفيع إلى حضيض اللحن الوضيع.
وماذا يحل باللغة لو ترك الحبل فيها للأدباء على غاربة يصوغ كل متأدب ألفاظه على هداه، وينظم كل شاعر أبياته على منحاه يخبط في ألفاظه وفي قوافيه، والألفاظ أكسية المعاني ترفل في المنمق منها وتتيه، وتسمج في السخيف وتشوه.