للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن كان الأستاذ قازان يحسب أن الاستهتار باللغة من دواعي التجديد، فقد أخطأ كل الخطأ.

إن مجال التجديد رحب، وإنه ليستطيع أن يزاوج بين ألفاظه كما فعل البحتري من قبل، ويأتينا ببيان مرموق فيه كل الجدة والطرافة دون أن يلجأ إلى الحوشي الغريب من الكلمات، والبيان نفسه يستنكر استعمال اللفظ غير المأنوس.

والمزاوجة بين الألفاظ وحدها منزلة عليا من منازل البيان ومرتبة سامية من مراتبه يستطيع الأديب أن يرقى إليها إذا جشم نفسه قليلا من التدقيق والتعمق والمران.

ويستطيع الشاعر إن كان من ذوي القدرة على التوليد والابتكار، ومن ذوي المواهب، أن يتعدى نطاق الأوزان المعروفة، على أن يأتينا بشعر سائغ موزون كما فعل بعض شعراء الأندلس من قبل. والشعر كالموسيقى تلزمه الأذن المرهفة، والحس الدقيق والخيال السمح، ومن أوتيها أوتي حظا كبيرا، وتمكنه من غير جهد ولا عنت أن يمهر الأدب بقصائد خالدة تبقى جدتها خالدة على الدهر.

ثم ليس من التجديد في كثير أو قليل، ولا من رعاية حق الأدب وحرمة الأدباء في شئ أن يطعن المعاصر أدباءنا الأقدمين وأن يقول الأستاذ قازان في (شوقي) ومريديه مثلا، وقد حسب فيهم أصنام الأدب:

دعاة الأمير سلام عليكم ... من الخارجين على الدعوة

لقد طلع الفجر من غمده ... وبان اللبابُ من القشرة

ومات الأمير عليه السلام ... فماذا لديكم سوى الجثة؟

عفا الله عنه عفا الله عنه ... فلا يستحق سوى الرحمة

فشاعر له مكانته الرفيعة في الشعر وله أياديه البيضاء على الأدب، شاعر كان من أترابه الشعراء في الطليعة بخياله الوثاب، وأسلوبه الرفيع، لا يجوز أن يقال فيه، وهو الذي مهر التراث الأدبي بحافل من روائعه التي خلفها للأجيال من بعده تنطق عنه، مثل هذا القول!

إننا لا نستصوب الإمارة في الشعر ولا الملكية في الأدب، ولكن عدم مشايعتنا لهذا الرأي لا يمنعنا أن نثبت الحق لذويه ولا يحفزنا للطعن فيهم.

أما تحديد الشعر وكيف يجب أن نفهمه فيعرفنا إياهما الشاعر بقولة:

فلو كان معنى الحياة لعمري ... بخطٍّ تآلفَ في صورةِ

<<  <  ج:
ص:  >  >>