(انتيغون، يا ابنة ذلك الأعمى الشيخ، ناشدتك الله ألا ما حسرت لي عن هذا البلد الذي بلغنا نواحيه، وأي شعب هذا الذي نزلنا منازله، ومن هم جيرتنا في البلد النزح؟ في هذا اليوم يستجدي (أوديب) الهائم السادر الناس، فيعطيه هؤلاء عطاءا حقيراً، بلى لقد طلبت قليلاً وأعطيت يسيراً، وفي هذا غناء لي وكفاء، فقد علمتني الآلام والأهوال والمحن وتعاقب السنين ونفسي الصابرة، علمني كل أولئك الاستسلام والرضى، فهلمي يا بنية، هلمي إلي فلئن لمحت مقعداً في مكان رجس أو في غاب مقدس فقفي بي عنده وانزلي بي في أديمه، ثم لا يضيرني ولا يضيرك أن نمضي إلى الناس فنسألهم الطريق وفي أي موضع منه نحن؟ فإننا غرباء عن الديار ومن حقنا أن نسأل الغادي والرائح)
ولكن سافو لم تفعل ما فعلته (أنتيغون)، ولم تدله على المكان الذي نزل فيه فانثنى هامساً بمثل ما همست به (أنتيغون) في أذني أيها البائس:
أنتيغون
أوديب! أيها الوالد التعس، يا من أضماه الألم، وأذبله الداء! ليخيل إليَّ إن سور مدينة قد ارتسم في الأفق أمام عيوننا، وهذه الأرض التي تنزل فيها لا يزال عليها عبق من قداسة ونفاسة، يدلك على ذلك هذا الغار المتشابك وهذه الأدواح الظليلة، وهذه الينابيع الرقراقة، ثم هذه البلابل التي تغني في الغاب الوارف. اطو يا أبتاه قدميك فلعلك تستطيع الجلوس على هذا الصخر الوعر، فلقد طال شرودك، وامتدت المسافات بك، وأنت ذلك الشيخ الذي لا يستطيع إمعاناً في صعود وفي هبوط
أوديب
بلى، بلى، دعيني اجلس، واسهري على الأعمى العاثر الجد
وراح (كريستيا) جالساً على الصخر وقلبه يميد وجبينه يتندى عرقاً وعيناه ترعشان في كل ناحية من نواحي هذا الأفق المديد الفسيح؛ وجلست (سافو) بجواره وفي نفسها اثر من جراح نفسه، ثم لم تلبث أن رقت له رقة أليمة، وأخذت يده وقالت له: أتدرى أين مسكنك؟