قال لا، قالت في (وادي العربة) هذا الذي يفصل (البحر الميت) عن (خليج أيلة)
وكان قد أمضى بعض ليله على روابي جبل حور، فلما نزل فرع الوادي لم يشعر بالمسافات الطويلة التي خلفها وراءه ولم يفطن إلى ثوبه الذي مزقته الصخور والأدغال المتشابكة ولم ينتبه إلى الإعياء الذي تعاور (سافو) وكذلك ما كان يهمه أن يحتويه المكان الفارع، فلقد جلس على الصخر في سكينة ودعة، وجعل يقلب عينيه في الجبال التي تحيط بالسهل من الشرق إلى الغرب وقد خلعت على الوادي ظلاً شاحباً فبدا عميقا كأنه هوة من هوات الجحيم!
وكان من احب أمانيه أن يتعرف إلى طريق البحر الميت والأردن ليلحق بحسناته (بنيامينا) ويقضي ما تبقى من أيامه في الأرض التي نبت عنها الشهرة وأطرها المجد فما يردد نظراته في جنوب الوادي حتى يكرهه ويمله وحتى يعاف أن يحدق إليه، وذلك لأن في جنوب وادي العربة طريقا تدفع إلى خليج أيلة، إلى ذلك البحر الذي لا تفارقه سفن (هراقليوس) وفلكه ثم يحلق وهمه في طريق الشمال فتتمثل له الأرض منحدره هابطة إلى البحر الميت وإلى الأردن فيرق ويتشاجى ويذكر (بنيامينا) النازلة شواطئ النهر المقدس ثم يتلفت إلى (سافو) ليسألها أن ترافقه فيرى إليها نائمة حالمة فيمنعه حبه لها وبره بها أن يبتعثها على استفاقة تخرجها من أحلامها الهادئة ثم يعود فيستعرض وادي (العربة) من مكانه على الصخر، فإذا امتدت نظراته من الشمال إلى الشرق استبحر المكان أمامه وعرض له أخدود راعب يتساقط الماء على جوانبه من قلل جبل الشراة فيزعجه ويؤلمه أن ينبطح السيل في مفاجر الوادي ومرافضه فيضع يده على راس (سافو) النائمة الحالمة فتستفيق وتنهض وتدير لحاظها في تلك الأرجاء الفيحاء ثم لا تلبث أن تدرك مأساة حياتها، ويزيدها غماً ويأساً أن يلبس هذه المأساة هذا الحزن الذي يغشى جروف (العربة) وفلوجه ومسايله ومنحدراته، ولما أرادها (كريستيا) على اصطحابه في طريق البحر الميت لم تجد معدى عن مجاراته ومسايرته، فوقفت على الصخر ونظرت إلى الجنوب فإذا الطريق قد فرقت فروقاً عظيما حتى لتوشك أن تنتهي عند خليج (أيلة) فأخافها أن تمتد الطريق وتفيح، ثم نظرت كرة أخرى إلى الشمال فإذا الوادي يهبط إلى خيف لين رقيق ثم هو يزلق إلى الغور