وما زلت - منذ كنت - مهوى أفئدة العظماء الفاتحين، فأخذوك اقتساراً وصلحاً، وحازوك وكرها، وما منهم إلا مهرك المهر الغالي، وساق إليك الثمين المدخر، بما خلد فيك من آثاره، وبما خلف فيك من سمات قومه ومعانيهم: حازك الاسكندر فخلد فيك الإسكندرية، وملكك قمبيز فخلف فيك شيات من فخار فارس وخيلائها، وحل فيك بطليموس فخلف فيك أثارة من حكمة يونان؛ وداعبك قياصرة الرومان فخلفوا فيك أثراً عظمة الرومان؛ وفتحك عمرو فمهرك بيان العرب كله، وهداية الإسلام كلها. ففخراً - يا مصر - فهذه المخايل اللائحة على صفحاتك هي بقايا مهورك الغالية. وإن أثمنها قيمة - وحقك - وأثبتها أثراً، وأبقاها بقاء وأشبهها بشمائلك - لمهر عمرو. . . فما زلت منذ تفيأت ظل الإسلام الظليل، تجدين منه في كل داجية نجماً، ووراء داجية فجراً. وما زلت كلما شكوت ضراً في دينك يخف إليك من يكشفه؛ كلما شكوت شراً في دنياك يحف إليك من يدفعه.
خف إليك (جوهر) حين لحقتك علامة التأنيث، وتقلب على فراشك العبيد. وخف إليك (صلاح الدين) حين أمتهن فيك الدين. وخف إليك (سليم) حين لعبت بك أهواء المماليك. وخف إليك (علي) حين تحكم فيك الصعاليك: تأخروا بركبك على زمانك، فألحقك بزمنك، وبالقوافل السائرة من بني زمنك، وأراد لك أن يكون محلك من الغرب إماماً، وأن تكوني من الشرق أما وأمة وإماماً، فما عابوك، ولكنهم هابوك، فنصبوا لك في كل حفرة عاثوراً، ووضعوا في كل فج فخاً، وأجمعوا على أن لا تكون لك جارية في بحر، ولا سارية في بر، فمن بعض ذلك كل ما تعانين.
لئن كانت أزماتك في التاريخ كثيرة، فكلما إلى انفراج عاجل. ومن المؤلم أن تطول بك المحنة في هذه الدورة من أدوار الفلك، وأن تبتلى بخصم لئيم الخصومة والكيد، يمدها زمنه بالقوة والأيد، وأن يستحيل حرماتك غاصب غريب لا تجمعك به نسبة الشرق، ولا يلتف منكما - إلى آدم - عرق بعرق، فيجعل منك أداة لكيده، وجارحة لصيده، ومعطية للصوصيته، وطريقاً لظلمته وظلامه. . . فلو أن المسالك تشترك في الإجرام مع السالك - لكان لك شرك في كل ما حمل الإنجليز من أوزار، ولجملك العدل كفلا من مآثمهم في الشرقيين. . . إذ لولا قناتك ما ثبتت له على أديم الشرق قدم. فليتك تعاسرت بالأمس فير