للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حفر هذه القناة! أو ليتك تصنعين بها اليوم ما صنع العرب بمناة، فتوسعين هذه ردما كما أوسعوا تلك هدما. . . حتى إذا ملكت أمرك حفرت ما يرويك، لا مالا يرويك. وما فضل ماء استنبطته يداك، لينتفع به عداك؟ ذاد الأباة عن الحياض إلا لتكون لهم وردا.

لا توحشنك غربة. . . إن مئات الملايين من القلوب رفافة على جنباتك، حائمة مواردك , هائمة بحبك، تقطع الآنات في التفكير فيك. ولا تقطع الأنات من الامتعاض لك. وأن مئات الملايين من الألسنة رطبة بذكرك، متحركة بمدحك، ناطقة بفضلك، متغنية بمحاسنك. وأن هذا لراس مال عظيم، لم تظفر به قبلك يدان. . .

أنت اليوم مثابة العروبة، في ثراك حيى بيانها، وبسقت أفنانها؛ وفي رياضك تفتحت أزهارها، وغردت بلابلها. ففي ذمة كل عربي حر الدم لك دين واجب الوفاء، وهذا أجل الوفاء.

وأنت اليوم قبلة المسلمين، يولون وجوههم إليك كلما حزبهم أمر، حلت بهم معضلة، وينفرون إلى معاهدك، يمتارون العلم منها، وإلى كتبك يصححون الفكر والرأي عنها، وإلى علمائك يتلقون الفتيا الفاصلة بين الدين والدنيا عنهم. فلك - بذلك - على كل مسلم حق، وهذا أوان الحاجة إليه.

وأنت اليوم مآزر الإسلام، فكلما سيم الهوان في قطر، أو رماه زنديق بنقيصة، فزع إليك واستجار بك، يلتمس الغوث، ويستمد الدفاع. فلك على المسلمين في المشارق والمغارب فصل الحماية لدينهم، وعليهم إن يطيروا خفافا وثقالا لنصرتك، ثم لا منه لهم عليك ولا جميل.

وكيف بك - مع هذا - لو كنت مظهرا للإسلام الصحيح، ولمته العليا في العقائد والأعمال والأحكام؟ - إذن لكنت قدوة في إحياء سنته التي أماتتها البدع، وفي إقامة أعلامه التي طمستها الجهالات، وفي بعث آدابه التي غطت عليها سخافات الغرب، وفي نشر هدايته التي طوتها الضلالات؛ وإذن لحييت وأحييت،. ومن الغريب أنك قادرة على تغير ما بك من عهد الأدران ثم لم تغسلي. وأنك قادرة على إعادة الإسلام إلى رسومه الأولى ثم لم تفعلي. ويمينا برة فعلت لما حل بك ما حل. ولو فعلت لقدت المسلمين بزمام، ولكنت - بهم - للعالم كله إماما أي إمام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>