ومهما يكن من شيء فإن خيال هذا الفنان العظيم وقدرته على الخلق الرائع الذي يذهب بالمتأمل إلى ملكوت السمو ويحرك لسانه بالتسبيح بقدرة الله، كل هذا لم يتمثل على أشده إلا في تصوير العذراء التي أفنى روحه وتفاني بكليته في إخراج صورها على أقصى ما يمكن لعقل إنساني أن يتصوره من الجمال.
هذا بيان أساسه المنطق والمقياس الصادق. ولا أثر للمبالغة فيه ولا إلحاح رغبة في تجليته على صورة تستأثر بإعجاب القارئ، فقد يحوم مثل هذا الكلام حول فنان آخر، أما رفائيل فيكاد نطاق القول يضيق عن تناول حقيقته ووصفه.
وفي هذا المجال العظيم صور رفائيل. وأظهر نهاية مقدرته ونبوغه. وقد لجأ بعض المصورين إلى تصوير المادونا ودسّ ما صوره بين مخلفاته، ولكنا - خصوصاً في الوقت الحاضر - بعد تقدم علم التصوير الفوتوغرافي، لإثبات الصور الحقيقية من المقلدة لاسيما بعد إمكان الكشف عن طبقات اللون على سطح اللوحات واتجاه الفرشاة، لا نقع فيما وقع فيه بعض مؤرخي القرن الثامن عشر والتاسع عشر.
وقد اجمع مؤرخو الفن على أنه لم يوجد ولن يوجد فنان بعد رفائيل يستطيع أن يخرج ماريا والطفل بهذه العظمة والقوة والجمال الذي أخرجهما به، أما حنان الأم ومحبتها لطفلها وكمال الانسجام الإنشائي في وضعهما فهذه صفات تلتصق بما صوره رفائيل.
أما الطهارة التي تجلت والعفة التي تمثلت في وجه العذراء. فهذه عسيرة على غيره من رجال الفن مهما كبر اسمهم.