للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

استنباط أحكام أخرى شرعية تصلح لهذا الزمان. وإذا نحن نظرنا في تاريخ التشريع الإسلامي وتاريخ الفقه نجد أن المجتهدين لبثوا متوافرين في كل عصر، لم يخل منهم زمان، وإن كان منهم من هو (مجتهد في المذهب) على حد تعبيرهم، ولبث ذلك إلى القرن التاسع حيث غلب الأتراك على البلدان العربية وضعفت العناية باللغة العربية، واستغلقت على القوم آيات الكتاب البينات، وخفي عنهم ما وضح للعلماء الأولين من السنة، فأعلنوا سد باب الاجتهاد!! على أن هذا العصر أيضاً لم يعدم جماعة من أهل الترجيح والتخريج، وهم أنصاف مجتهدين (إن صح التعبير). ونشأ عن وقوف الاجتهاد وسير الدنيا (بل سعيها سعياً) أن كان في الفقه اليوم أحكام تخالف ما يراه الناس صالحاً لزمانهم، مع أن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، لا شك في ذلك أبداً فكيف يكون التوفيق بين الأصل الثابت وبين هذه النتيجة؟

يستطيع العلماء أن يفتوا بأن هذه المعاملات (المصرفية) كلها ربا، وأن الربا كله حرام، ولكن التجار يستطيعون أيضاً أن يثابروا على التعامل بها، والإقامة عليها، وتبقى المشكلة بل تزداد إشكالاً.

فالإصلاح إذن لا يكون بالإصرار على هذه الحواشي الفقهية والدفاع عنها، بل بالبحث عن أدلتها، فما كان منها قطعياً ثابتاً بدليل من الكتاب أو السنة الصحيحة، فهو الذي لا سبيل إلى تبديله، وما كان منها مبنياً على عرف أو دليل فيه احتمال، وكان إلى تعديله سبيل من الشرع عدل

وهذه المسألة على وضوحها تحملنا جهداً، وتكلفنا عناء، لأن من العلماء من لا يريد أن يفهمها، ولا يقدر أو لا يحب أن يفرق بين قول الفقيه واجتهاده وبين النص - ومن يحسب الخروج على المذاهب الأربعة خروجاً على الدين، وأكثرهم لا يبالي بعد ذلك هل سارت الحياة شرقاً أم اتجهت غرباً. . .

ولم يبق أحد جاهلاً بأن المدنية الأوربية قد طغت علينا، وأننا انغمسنا فيها واقتبسنا منها فبدلت حياتنا تبديلاً، وغيرت طرائق معيشتنا في دورنا ومدارسنا وأسواقنا، فأصبحنا أقرب في طراز حياتنا إلى أهل باريس اليوم منا إلى أهل دمشق والقاهرة في القرن التاسع الهجري، واصبح من المستحيل علينا العمل بأحكام استنبطها المجتهدون لأهل القاهرة

<<  <  ج:
ص:  >  >>