إلى الشام ثم إلى بغداد في نهاية كل مرحلة منزل وثير تنزل فيه قطر الندى وحاشيتها، وتتمتع فيه بجميع وسائل الراحة. وأنفقت في هذه الرحلة مبالغ طائلة؛ وخرجت قطر الندى من القطائع في ركب ملكي عظيم يشرف عليه ابن الخصاص مندوب الخليفة وجماعة من الأعيان، ومعها عمها شيبان بن أحمد بن طولون؛ وصحبتها عمتها العباسة إلى آخر حدود مصر من جهة الشام؛ (وكانوا يسيرون بها سير الطفل في المهد، فإذا وافت المنزل وجدت قصراً قد فرش، فيه جميع ما يحتاج إليه، وعلقت فيه الستور، وأعد فيه كل ما يصلح لمثلها في حال الإقامة، فكانت في مسيرها من مصر إلى بغداد على بعد الشقة كأنها في قصر أبيها تنتقل من مجلس إلى مجلس)
ووصل ركب قطر الندى إلى بغداد في فاتحة المحرم سنة ٢٨٢هـ فأنزلت في دار صاعد. وكان المعتضد غائباً بالموصل، فلما علم بمقدمها عاد إلى بغداد، وزفت إليه في الخامس من شهر ربيع الأول في حفلات عظيمة باذخة أسبغت على بغداد مدى أيام حللاً ساطعة من البهاء والبهجة. وسحرت قطر الندى الخليفة بجمالها وخلالها البارعة، وتفوقت في حظوتها لديه على سائر خطاياه. ومما يروي أن المعتضد خلا بها ذات يوم في مجلس أنس، فلما ثقل رأسه من الشراب وضع رأسه على حجرها، فلما استغرق في النوم، وضعت رأسه على وسادة وغادرت المجلس؛ فلما استيقظ ولم يجدها استشاط غضباً وناداها وعنفها على تصرفها، فأجابته:(يا أمير المؤمنين ما جهلت قدر ما أنعمت به عليّ، ولكن فيما أدبني به أبي أن قال: لا تنامي مع الجلوس، ولا تجلسي مع النيام)