وإن قوانين التربية مفتوحة للتغير البطيء، فحينما تظهر التجارب صواب الفكرة الجديدة، ويرى معظم الناس فائدتها، يتغلب الإنجليز على كراهتهم لها؛ فالحرية الشخصية تخضع دائما للمجتمع، حباً في المصلحة العامة، فمثلاً كان الذهاب إلى المدرسة اختيارياً يذهب إليها من يشاء من التلاميذ، لكن لما تبين أن من المحال تعميم التعليم إذا ظل اختيارياً، غير هذا النظام وجعل إجبارياً. وكان التفتيش الطبي على المدارس والتلاميذ اختيارياً، ثم غير وجعل إلزامياً، وكان إعداد المدرسين اختيارياً أيضاً، ثم ظهر أن المدرس لا يستطيع أن يقوم بمهنته كما ينبغي إلا إذا نال قسطاً من التربية وعرف طرق تدريس المواد، فجعل عشرات الأمثلة لأمور كانت اختيارية بإنجلترا، ثم أصبحت إجبارية يطالب بها القانون
وإن إنجلترا - وإن كانت أمة عملية لا تدين بالنظريات - لا تمتنع من أن تعمل بما يمكن تنفيذه منها. ولا ينكر أحد أن النظرية التي لا يمكن تنفيذها لا فائدة منها، ولا خير في العلم إذا لم يصحبه العمل. لذ كانت طريقة التعليم في إنجلترا طريقة عملية، تتفق هي والأمور العملية التي تحتاج اليها، تنفق مع حاجات الشعب وحياته. ولا يمكن أن تفهم هذه الطريقة منفردة عن التاريخ القومي لهذه الأمة، لأنها نتيجة الخلق القومي والحالة الشعبية.
والمهم لدى الإنجليز الوصول إلى العمل بأي طريقة كانت من غير عناء كبير أو بحث طويل في النظريات، وتاريخ التعليم الإنجليزي مملوء بالأمثلة الدالة على حب العمل، وعدم الاكتراث للنظريات. فمدارس إنجلترا إذن مدارس عملية ذات قوة كبيرة، وتأثير عظيم في تهذيب الأخلاق وتقويمها، وإعداد رجال مخلصين عمليين يثقون بأنفسهم، ويشعرون بما يجب عليهم لغيرهم، ولا يفرقون من تحمل مسؤولية أي عمل يقومون به. هي مدارس تربى في كل طفل الثقة بالنفس، فيقول لك دائماً:(سأحاول) إذا سألته: هل يستطيع أن يقوم بعمل من الأعمال؟