حظنا من الأدب اليسر، فلا تنتظر - كما يرى العقل - نقدا ضخما بادي الضخامة. . .
ولكننا قوم نعقل الأمور وبسنتنا الطويلة المشتدة في الطول، بيدينا القصيرة الممعنة في القصر، وليس لنا عيون فننظر بها، ولا قلوب فنعقل بها، ولا آذان فنسمع بها، وإنما أدواتنا آلتي قد منحناها فقيرة من ذلك أشد الفقر، فإذا خرج علينا أحد من الأدباء - سواء أكان منهم - بأي أثر وان لم يكن له من الأدب إلا الانتحال لأسم الأدب كما يقول الجاحظ، تداولناه بالحديث، وجلسنا حوله كما يجلس القوم الجياع حول مائدة مليئة بالقصاع، وأخذنا نقلبه وندوره ونحوره، وننظر له من هنا ومن هناك، ثم بعد ذلك نصدر عليه حكمنا القاهر بأنه من اتباع المدرسة القديمة فينبغي أن يؤثر أوعية الزبل بهذا الأثر، ولو اشتدت ضخامته، وامتدت جسامته. أو أن نحكم عليه بأنه من المدرسة الحديثة التي قد تشبع أذواقنا المترفة، وتبعث في نفوسنا شيئاً من الانتعاش الفني الذي نستمتع به كل المتعة، فمن الخير إذن أن يبقى النشء، وان نفعل به كذا وكذا إلى ما لا ينتهي من حديثنا الفضفاض عن كل شئ. .
وليس غربيا أن أقول هذا، فبالأمس القريب، ظهر كتاب لقصصي مصري شاب بعنوان (بائع الحب) فثار عليه البعض، اتباع المدرسة المجددة، ولكن جوهر الخلاف يدور حول؛ هل هذا الكتاب أو بالأحرى الكاتب نفسه_من المنتسبين للقدماء أو المحدثين. فالأولون يرون أن الكاتب من اتباع مدرسة امرئ القيس والآخرون يقرنونه بشارل بولد ير وغيره من الكتاب الواقعيين في الآداب الأجنبية.
فقد وضح إذن أن (النقاد) عندما يقيمون نقدهم على غير أساس من علم أو من دراسة للآداب الغربية التي نفتقر إليها أشد الافتقار، وليعلم (النقاد) عندنا أن ليست مهمة النقد هي بيان مقدار انتماء الأثر الأدبي إلى القديم أو الحديث؛ وانما مهمة الناقد حقا أن يقدم الأثر الأدبي إلى قراء الأدب، وان يوضح لهم مزاياه وعيوبه من حيث هو عمل أدبي يحكم عليه، وان يبين قيمة هذا العمل في عالم الأدب. والنقد يتناول كل الآثار الأدبية ولا يرتفع بأي حال من الأحوال، خلافا لما قال زميل أديب عندما تعرض لنقد هذا الكتاب على صفحات الرسالة - فرسالة النقد إنما تتصل اتصالا وثيقا بالقارئ لا بالكاتب، فهو يهيئ نفس القارئ وعقله لقراءة الكتاب، واليوم بعد مرور ثلاثة قرون على وفاة شكسبير ما زال