لقد عاش الرافعي حياته يجاهد لامته ما لم يجاهده أديب في العربية منذ قرون، وقضى حياته يلقى من العقوق ونكران الجميل ما لم يلق أديب في العربية منذ كانت العربية؛ ومات فما كان حظه منا في أُخراه أحسن منه في دنياه. فهل لي أن أؤمل أن تتنبه الأمة والحكومة إلى ما ينبغي أن يكون، وفاءً لهذا الراحل الكريم؟
ليس يكفي أن يكون كل وفائنا للرافعي، حفلة لتأبينه وبضع كلمات في الصحف لرثائه، ولكن الوفاء حق الوفاء أن نعمل على تخليد ذكراه بتخليد أدبه، وتجديد دعوته، وإبقاء ذكره، ونشر رسالته، فليكن هذا الكتاب الذي أنشأته عن (حياة الرافعي) أولاً له ما بعده، لنفكر في الوسائل النافعة التي تجدي على الأدب والعربية أكثر مما تجدي رسائل التائبين وكلمات الترحم والاسترجاع!
أما هو فقد انطوى تاريخه على هذه الأرض، فلن يجدي عليه شيئاً ما نفعل وما نقول؛ ولكن ما نفعله وما نفكر فيه إنما هو لخيرنا وجدواه علينا، فلنفكر في أنفسنا وفي ذواتنا وفيما يعود علينا وعلى العربية في تجديد ذكر الرافعي، إن كان يعز علينا أن نعمل أو أن نفكر إلا فيما تكون منفعته إلينا ولنا من ثمراته نصيب!