والمرض المدنف، والحب الشديد. فحينما توشك النفس أن تختنق تتنفس (بآه).
قلت: أما رأيتها مرة وقد أوشكت نفسها أن تختنق. . .؟
قال: لقد هجت لي داءً قديماً؛ إن لهذه الحبيبة ساعات مغروسة في زمن غرس الشجر، فبين الحين والحين تثمر هذه الساعات مرها وحلوها في نفسي كما يثمر الشجر المختلف؛ ولقد رأيتها ذات مرة في ساعة همها؛ ثم ضحك وسكت.
قلت: يا عدوَّ نفسه! ماذا رأيت منها؟ وكيف أراك الوجد ما رأيت منها؟
قال: أتصدقيني؟ قلت: نعم.
قال: رأيت الهمَّ على وجه هذه الجميلة كأنه همَّ مؤنث يعشقه همَّ مذكر. . . فله جمال ودلال وفتنة وجاذبية، وكأن وجهها يصنع من حزنها حزنين: أحدهما بمعنى الهم لقلبها والآخر بمعنى الثورة لقلبي.
قلت: يا عدو نفسه هذا كلام آخر؛ فهذه امرأة ناعمة بضّة مطوي بعضها على بعضها، لفّاء من جهة هيفاء من جهة، ثقيلة شيء وخفيفة شيء، جمعت الحسن والجسم وفناً بارعاً في هذا وفناً مفردا في ذاك، وهي جميلة كل ما تتأمل منها، ساحرة كل ما تتخيل فيها، وهي مزاحة دحداحة وهي تطالعك وتطمعك، وأنت امرؤ عاشق ورجل قوي الرجولة؛ فالجميلة والمرأة هما لك في هذا الجسم الواحد، إن ذهبت تفصلهما في خيالك امتزجتا في دمك؛ ولو أمسكت آلة التصوير نظراتك إليها لبانت فيها أطراف اللهب الأحمر مما في نفسك منها. ولعمري لو مرت عربة تدرج في الطريق ونظرت إليها نظرتك لهذه المرأة بهذه الغريزة المحتبسة المكفوفة لظننتك سترى العجلة الخلفية عاشقاً مهتاجاً يطارد العجلة الأمامية وهي تفر منه فرار العذراء. . .
فضحك وقال: لا، لا. إن نوع التصوير لإنسان هو نوع المعرفة لهذا الإنسان، ومن كل حبيب وحبيبة تجتمع مقدمة ونتيجة بينهما تلازم في المعنى؛ والمقدمة عندي أن إبليس هنا في غير إبليسيته، فلا يمكن أن تكون النتيجة وضعه في إبليسيته. وما أتصور في هذه الجميلة إلا الفن الذي أسبغه الجمال عليها، فهي في معرفتي وخيالي كالتمثال المبدع بداعة لا يستطيع أن يعمل عملاً إلا إظهار شكله الجميل التام حافلاً بمعانيه.
ليست هذه المرأة هي الأولى ولا الثانية ولا الثالثة فيمن أحببت؛ إنها تكرار وإيضاح