وانبرى يريد أن يقول شيئاً. . . ولكن الكلمات ماتت على شفتيه. . . ولم يدر كيف اغتصب تلك الابتسامة المصطنعة - وهي تمتد أناملها البضة لتجفف دموعها التي انسابت غزيرة على خديها - وقال في خبث ودهاء: هو كذلك يا حبيبتي. . . ولكن ما حيلتنا؟
والآن. . . أود أن تسمعيني لحن الوداع الذي وضعناه معاً في لحظة ما. . . على ألا تنتهي منه حتى أكون قد بعدت عن البيت تماماً. . . لعلي أجد في سماعه ما يهون ضخامة الفجوة التي ستباعد بيني وبينك طيلة الأيام الأربعة. . .
وجلست إلى البيان تعزف عليه بأناملها المرهفة. . . فتصاعدت أنغام حزينة رائعة تفيض سحراً وحناناً وتتمثل في إيقاعها روعة الفرقة وألم البين.
بيد أنه عندما تركها لم يكن قد خرج ولكنه دلف إلى حجرة مكتبه في انسياب الثعبان؛ وعندئذ أحكم رتاجها في حذر وران الصمت الرهيب على أرجاء البيت فبدا في سكون مدينة الأموات كان النهار قد رقد بين أحضان الليل. . . والقمر قد صب شعاعه الهادئ الحنون على الكون. . .
والخمائل قد استسلمت إلى مداعبة الأنسام الرطبة. . .
كما كان حمدي مستسلماً إلى أفكاره الحائرة. . .
إنه الآن يستطيع أن يفعل شيئاً. . .
إنه يستطيع أن يقف على جلية الأمر. . .
ونزع يده من جيبه وهي مطبقة على الرسالة. . . وانسكب عليها ضوء القمر الحالم خلال النافذة فقربها من عينيه وقرأها للمرة العاشرة. . .
وخيل إليه أن أتونا مستعراً يصهر أعصابه حين نظر إلى ساعته وأدرك أنه لم يبق سوى ستين دقيقة يحسم بعدها موقفه من زوجه الخائنة كما تطالعه الرسالة بالموعد الذي سيلقاها فيه شريكها في الإثم. . .
وخلال ذلك الصراع العنيف الجبار الذي اكتنفه وتنازعه طويلاً وقع بصره دون قصد على إطار جميل يضم بين زواياه صورة زوجه. . .
فاقض عليها ليحطمها، لكنه خاف أن يحدث ضجة تفسد عليه خطته، وتكون حائلاً بينه وبين الحقيقة السافرة التي سوف تنبلج بعد قليل فتراجع. وأذهله الزمن عن حاضره