لمقاومتها، فلما تولى (منوزا) حكم الولايات الشمالية، وهي التي تجاور إمارة اكوتين من الشرق والجنوب، سعى الدوق إلى التفاهم معه؛ وكان منوزا كما تصفه الروايات زعيما قوي المراس، كثير الأطماع نافذ الهيبة في هاتيك الوهاد؛ ولم يكن على اتفاق مع حكومة الأندلس؛ ذلك لأنه كان من أقطاب البربر الذين عبروا إلى الأندلس مع طارق بن زياد؛ ونحن نعرف أن البربر كانوا على خلاف دائم مع العرب، يحقدون عليهم لأنهم استأثروا دونهم بمغانم الفتح والرياسة. فإذا صح أن (منوزا) كان زعيماً بربرياً كما تصفه الروايات الفرنجية المعاصرة، فيكون من المشكوك فيه إذا أن يكون (منوزا) هو عثمان بن أبي نسعة الخثعمي، الذي تولى إمارة الأندلس كما قدمنا. ذلك أن عثمان كان زعيماً عربياً، ينتسب إلى خثعم إحدى البطون العربية العريقة هذا إلى أن الرواية العربية تقدم إلينا عن مصيره رواية أخرى غير تلك التي تقدمها إلينا الرواية النصرانية عن مصير منوزا، فهي تقول لنا إن أبي نسعة ولي الأندلس في شعبان سنة ١١٠ (سنة ٧٢٨م) واستمرت ولايته خمسة أشهر أو ستة أشهر، ثم عزل وأنصرف إلى القيروان وان فمات بها. أما منوز فقد مات محارباً ومات قتيلاً كما سنرى.
وعلى أي حال فقد تفاهم أمير كوتين ومنوزا؛ وقوت المصاهرة بينهما أواصر الصداقة والتحالف؛ ذلك أنه كانت للدوق ابنة رائعة الحسن تدعى لامبجيا (أو منينا أو نوميرانا على قول بعض الروايات) فرآها منوزا أثناء رحلاته (أو غاراته) في اكوتين وهام بها حباً. تقول الرواية:(وكانت لامبجيا أجمل امرأة في عصرها، كما كان منوزا أقبح رجل في عصره، وكانت نصرانية متعصبة، ولكن أطماع الوالد غلبت على كل شيء فأرتضى مصاهرة الزعيم المسلم). ويصف جيبون مؤرخ الدولة الرومانية هذا التحالف، وتلك المصاهرة في قوله:(أرتضى منوزا الزعيم البربري محالفة دوق اكوتين، وأسلم أودو لباعث المصلحة الخاصة أو العامة، ابنته الحسناء، لقبلات الملحد الأفريقي وعناقه).
وتحيط الرواية النصرانية شخصيا لامبجيا بكثير من الغموض أيضاً، وتختلف في ظروف زواجها من الزعيم المسلم، فتقول مثلا: إن منوزا أسر لامبجيا في إحدى غاراته على أراضي اكوتين، ثم هام بها حباً وتزوجها، وحمل بنفوذها وتأثيرها على محالفة أبيها الدوق، ومناوأة حكومة الأندلس؛ وأنه تزوجها طوعا كما تقدم، وتقول أيضاً إن ابنة دوق