اكوتين التي تزوجها (منوزا) لم تكن لامبجيا، وإنما كانت أختها (منينا) التي كانت من قبل زوجة لفرويلا القوطي أمير أوسترياس، وتقول غير ذلك من الأنباء والتفاصيل التي يقع معظمها في حيز الأساطير ونمى أمر من هذا التحالف إلى حكومة الأندلس، فلم تقره، وارتابت في أمره؛ وأبدى منوزا من ضروب التمرد والاستثارة ما حملها على اعتزام تأديبه وتحطيمه؛ وكان أمير الأندلس يومئذ عبد الرحمن الغافقي أعظم ولاة الأندلس، فبعث لتأديب الخارج حملة قوية بقيادة ابن زيان، فامتنع منوزا بمواقعه الجبلية، وتحصن في عاصمة إقليمه (مدينة الباب) الواقعة على منحدر البرنيه، وكان يضن أنه يستطيع أن يتحدى الجيش الإسلامي، وأن يعتصم بالصخر كما أعتصم به الزعيم القوطي بلاجيوس؛ ولكنه كان مخطئاً في تقديره؛ فقد نفذ ابن زيان بجيشه إلى مدينة الباب، وحصر الثائر في عاصمته، ففر منها إلى شعب الجبال الداخلية؛ فطارده ابن زيان من صخرة إلى صخرة، حتى أخذ وقتل مدافعاً عن نفسه؛ وتحطمت أطماعه ومشروعاته (١١٣هـ - ٧٣١م) وأسرت زوجه الحسناء لامبجيا، وأرسل بها أمير الأندلس إلى بلاد الشام فاستقبلاها الخليفة (هشام) بحفاوة وإكرام، وتزوجت هنالك من أمير مسلم لا تذكر لنا الرواية اسمه.
والرواية العربية تمر على هذه الحوادث كلها بالصمت، ولا تذكر لنا أي تفصيل أو لمحة تلقي الضياء على شخصية منوزا؛ بيد أن ابن عذاري المراكشي ينقل إلينا أيضاً نصاً يستوقف النظر في حديثه عن ولاية أمير الأندلس الهيثم بن عبيد الكلابي إذ يقول:(وهو الذي غزا منوسة) فهل تكون (منوسة) هي الافرنجية المحرفة (منوزا) أو بعبارة أخرى هل تنصرف هذه الكلمة إلى الشخص أو تنصرف إلى المكان؟ يرى دوزي أنها تنصرف إلى الشخص، وأن أبن عذاري يقصد هنا (منوزا) صاحب المأساة التي أتينا عليها.
أما نحن فنرى بالعكس أن الكلمة هنا تنصرف إلى المكان، وأنه لا علاقة بين كلمة (منوسة) وبين الزعيم (منوزا)، ذلك أن الرواية العربية لم تعتد أن تعبر عن غزو الأشخاص بهذه الصورة، وإنما تتحدث دائماً عن غزو المكان، هذا إلى أن الحديث هنا يتعلق بغزوات معروفة في الرواية الإسلامية قام بها أمير الأندلس الهيثم بن عبيد الكلابي الذي تولى إمارة الأندلس في أوائل سنة ١١١هـ (٧٢٩م)؛ فقد عبر الهيثم جبال البرنيه غازياً؛ وأخترق ولاية سبتمانيا، ثم وادي الرون، وغزا ليون (لودون)، وماسون، وشالون