هذا هو المثل المسيحي وله شروحه ومعقباته عند من تناولوا مسألة الاختيار ومسألة الشر الدنيوي في الفلسفة الحديثة
ولكنه كلام يقال للرجل العصري فإذا هو أقرب إلى فهمه والإصغاء إليه من كلام لا يقوم على فكر ولا على حجة وإنما يقوم على إلزام كإلزام الآلات وتكرير كتكرير الببغاوات
أما المثل الإسرائيلي فقد قرأته في رسالة يقول كاتبها وقد عرض حوادث العالم أمامه فإذا هو يقول: إن الله يبتلي بالقصاص العاجل كل بلد يظلم أبناء إسرائيل، ويكتب النصر والقوة لكل بلد يعاملهم معاملة الرفق والمساواة. فلن ترى أمة شاعت فيها المذابح والمظالم للإسرائيليين إلا أصيبت بثورة أو سيقت إلى حرب أو منيت بهزيمة
هذه روسيا كانت أسبق الأمم إلى ظلم اليهود فابتلاها الله بالثورة البلشفية
وهذه أسبانيا تعاقبت فيها المظالم عليهم فابتلاها الله بالحرب الأهلية
وهذه بولونيا نفسها لم تخل في بعض عهودها من ظلمهم ومطاردتهم، فشاءت الأقدار أن تكفر عن سيئاتها
وهذه ألمانيا النازية تنساق إلى حرب زبون تهدمها من أركانها
(يهواه رب جبار لا ينسى الثأر ولا يصبر على الأشرار)
وهذا الكلام أيضاً قريب إلى عقل الرجل العصري الذي يفكر تفكير المشاهدة وينظر بعين التاريخ، وإن كان قائله ليخلف الأمر فيضع المقدمة موضع النتيجة ويضع النتيجة موضع المقدمة. إذ الحقيقة أن الاضطراب هو السبب المؤدي إلى ظلم (الأقليات) ومنها اليهود، وليس ظلم الأقليات عامة أو اليهود خاصة هو السبب المؤدي إلى وقوع الاضطراب. فالروسية وأسبانيا وبولونيا وألمانيا كانت فيها المساوئ الاجتماعية والقلاقل السياسية سابقة للخصومات والفتن التي تقع بين عناصر الكثرة وعناصر القلة فيها، وقد حدث أن بلاداً وقعت فيها الهزائم والفتن وليس فيها يهود مضطهدون كما حدث في بلاد الترك والصين. فالعلة الأولى هي الاضطراب والعلة الثانية هي الاضطهاد، وهذا هو موضع الخطأ في تفسير إرادة الله كما رآها واعظ إسرائيل
إلا أن الكلام كما أسلفنا كلام يقال في العظات العصرية لإقناع السامعين العصريين، وهو