للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وشؤونها المختلفة، كما نستطيع - من قراءته - أن نلمس بوضوح النزاهة والدقة والتجرد عن الغرض التي لازمت المؤلفة في كتابته. . . والكتاب على لطافة حجمه يتناول كثيراً من المسائل، فيعرض لتاريخ الحضارة الصينية كما يتناول آداب الصين وفنونها وقيم الحياة اليومية فيها ونظم الحكم بها وغير ذلك من المسائل. ولم تنس المؤلفة زيادة على ذلك أن تبين لنا ما يختلج في صدور أهل الصين من آمال وأمان في المستقبل وما يرجون لبلادهم من حياة جديدة زاهرة تغاير ماضيهم وحاضرهم، وإن لم تقطع الصلة بهما تماماً.

ولا تشك المؤلفة في أن الصين الجامدة الخامدة آخذت تفيق من سباتها العميق الطويل من أوائل هذا القرن، وأن قيام الحرب الصينية اليابانية قد ساعد على هذه اليقظة، بل ولعلها تكون المسئولة الأولى عنها، فأخذت تنفض عن نفسها ذلك الخمول الذي ضرب عليها، أو الذي ضربته بنفسها على نفسها، وتتجه نحو حياة أخرى، وتنتحل أساليب جديدة سواء في الصناعة أو الفكر أو السياسة تختلف أشد الاختلاف عن تلك الأساليب العتيقة البالية. ولكن ينبغي مع ذلك ألا نغفل عن حقيقة واضحة جلية، وهي أن ذلك التطور لا يتم في الصين إلا ببطء شديد وبصعوبة شديدة بحيث لا يكاد الإنسان يدرك لأول وهلة أن هناك حياة جديدة أخذت تدب في أوصالها الميتة؛ ذلك لأن حياة الصين لا تقوم في الواقع على مجرد بعض قوانين وضعية أو قواعد يرسمها من بيدهم مقاليد الحكم ويأخذون الناس بتنفيذها، إنما تقوم حياة الصين على قيم أساسية عامة متغلغلة في أعماق النفوس تستمد منها قوتها وسطوتها، بحيث لو انعدمت كل سلطة في الصين ولم تصبح ثمة أي هيئة حاكمة فيها لظلت الصين مع ذلك قائمة على ما هي عليه، ولاستمرت تلك القيم الأساسية تعمل عملها في حياة الناس والبلد وتحفظ عليهم طابعهم التقليدي القديم الذي يتعارض مع كل ما هو جديد.

ولا ريب في إن الأمة التي تريد أن ترقى وأن تصل إلى غاية بعيدة من الكمال والرفعة لن يتسنى لها ذلك ما لم تسر أولاً تحت قيادة موحدة تخضع كلها لها، وما لم تختف منها العوامل الانفصالية والنزعات الشخصية التي من شأنها تمزيق الدولة أقساماً وشيعاً. وقد كانت الصين في معظم تاريخها دولة واسعة ممزقة منقسمة إلى مقاطعات وحكومات متفرقة تستقل كل منها عن الأخرى تماماً، ولم يكن الرجل الصيني العادي يعرف من وطنه إلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>