للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والمرأة المجرمة فاللص عند لمبوروز ذو تكوين خاص في هيئته وكذلك سائر المجرمين، وما الجريمة إلا استجابة لتكوينهم العضوي الناقص الذي جاءهم عن طريق الوراثة. وكثير من اتجاهات علم النفس الجنائي إلى يومنا هذا تستلهم موضوعاتها من بحوث لمبروزو.

ولكن البحوث التي قام بها علماء الأحياء منذ ربع قرن في موضوع الوراثة وكذلك علماء سلوك الإنساني، وخاصة في دراستهم لأنواع الشذوذ والانحرافات، أدت إلى الإقلال من حتمية الوراثة، وأثبتت مرونة الإنسان وقابليته للتشكل والإصلاح، فسلوك الإنسان قابل للتغير والتحسن، ويتوقف نجاح التربية إلى حد كبير على إحكام طرقها وإتقان أساليبها.

ليس الإنسان إذن أسير وراثة أو تكوين عضوي خاص كما كان شائعاً من قبل، بل إنه يملك إلى حد كبير أسباب التغير والإصلاح. لا يوجد هنالك ما يسمى طبيعة مجرمة في النفس الإنسانية؛ بل على العكس من ذلك، إن طبيعة النفس الإنسانية كما يقول كانت خير وكل الخير، وإنما هنالك نفوس مريضة تدافع عن توازنها الاجتماعي، فتضل في المعترك عن الطريق السوي.

إن للدوافع في الإنسان كما سبق وذكرنا شأناً كبيراً، ولكنها في الإنسان غيرها في الحيوان. لا، بل إن الحيوان نفسه قابل للترويض وللائتلاف، فكم يكون الحال في الإنسان وفيه من نور الله قبس! أوليس فيما وصل إليه علم التربية والنفس أكبر الدليل على مرونة الإنسان وعلى كونه يختلف اختلافاً بيناً عن سائر الكائنات بما وهبه الله من عقل يفكر ويتذكر؟ إذاً فللدوافع في الإنسان شأن كبير ولكنه أقل من أن يجعل الإنسان مسيراً لا مخيراً.

فؤاد عوض واصف

ليسانسيه في العلوم الفلسفية

<<  <  ج:
ص:  >  >>