للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المعنى، في الصريح الشائق من المبنى. . . إن في مطالعة أرواح وأشباح لمتعة فكري ولذة فنية)؛ وبعد أن كتب صاحب الرسالة: (هي في الصياغة مشرقة البيان، منتقاة اللفظ. . . هزت نفسي هزاَ شديداَ، فكنت أطيل الوقوف عند كل رباعية، أديم النظر في كل بيت، أتذوق جمال صياغته برفق، وأستجلي سر بلاغته في أناة)

هزت نفسه، فأدام النظر في كل بيت ليتذوق ويستجلي. ذلك لأن اللذة التي يجدها الذوق يكشف التحليل سرها فيضاعفها في النفس

فأن الذوق ملكة مركبة من الشعور، أي الانفعال، لأن المحاسن والعيوب تؤثر فيها بالطبع؛ ومن الذكاء، لأنها تجلل تأثرها باحثة عن أسباب الاستحسان وأسباب الاستهجان، وتنظر فيها تجد من دواعي الإعجاب ودواعي الإنكار، وتوازن بينها. وأثر الانفعال، أي وقع الشيء، هو الحاكم الطبيعي أول وهلة، أما النظر فهو الحكم بعد ذلك. والمعتاد من هذا الحكم إذا اقترن عند صاحبه الانفعال السريع بالعقل الثاقب النير، ألا يجيء قضاؤه إلا مؤيداَ لقضاء الحاكم الأول. ولذلك كتب الأستاذ الزيات، بعد إدامة النظر: (إن أسلوب هذه الملحمة ليس بدعاَ من أسلوب علي طه، فإن الصفات الغالبة على أسلوبه كله، هي الوضوح والأناقة، والسهولة والسلامة)

أما بعد، فقد تبين من مزايا (أرواح وأشباح) أن إمعان النظر في هذا الصنيع - كما هو، يزيد الناظر إعجاباَ به في ذاته، وإعجابا على إعجاب بطبعته. وما أجمل ائتلاف الظرف والمظروف في مثل هذه التحفة!

فإن للمؤلفات النفيسة عند الغربيين في هذا العصر طبعات فاخرة، محلاة بصور يصنعها أبرع الفنانين؛ وهم في ذلك يتبعون عادة أسلافهم في كتبهم الخطية. وقديماَ كان هذا هو الشأن عند الشرقيين من فرس وعرب وغيرهم؛ وزين السلف الصالح مصحفنا الشريف - على جلال القران الكريم - بأجمل الخطوط والنقوش العربية، وموهوه بمختلف الألوان والمياه الفضية والذهبية، إجلالاَ للكتاب المجيد. ثم ضاع منا العلم وضاعت الفنون والأذواق؛ ثم ظهرت عندنا تلك المطبوعات القبيحة التي تعمى الأبصار. ومنذ شرعت مصر تنهض أخذنا نجود الطبع، وونحلي المطبوعات أحياناَ. وفي ذلك وقاية للنظر، وتهذيب للذوق، وتحبيب في الإتقان، وخدمة للطابع وللفنان. لكننا ما زلنا في المرحلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>