يندبون الدنيا التي أوشكت أن تزول. . . ولكنهم كالنائحات المستأجرات ينوحون في كل مأتم، ويبكون إثر كل ميت، ويذرفون الدمع كأرخص ما يكون الدمع، وأسخف ما يكون البكاء!!
هؤلاء يظنون البكاء نغماً جميلاً يأخذ سحره بالألباب!، وأن البكاء عبقرية وفهم بينما يقترن دائماً بمعنى الجهل وقصر النظر، وضعف النفس، وأنوثة الخلق وما إلى ذلك. . والبكاء - كما قيل - أسهل بكثير من الغبطة والانشراح. . ذلك لأن النفس مكلفة بالإدراك الكامل، واستعمال العقل والدارية حين تضحك ويصيبها الانشراح، بينما البكاء لا يكلفها إلا دعك العينين لاستخراج الدموع!
البكاء بعد ذلك معنى ضيق يتصل بمطالب الذات، ومسراتها الغانية في حين أن الإنسانية دائماً تسير نحو النور.
ليت شعري ألا يوجد في العالم العربي شاعر واحد يحس بالانطلاق، ويتحرر من رقبة الأوهام، ويحطم تلك الأبواق التي أزعجتنا وناحت على مأتم لا وجد له، ليملأ بالأمل، وينشد لنا أناشيد الفرح والسرور.
إن الشعر كما أريده إدراك واسع للكون والنفس الإنسانية، وألوان مختلفة من الشعور، وعمق في الإحساس لا تحدده غاية قصيرة، ولا تستبد به أوهام عاجز مقبول، وتعبير رفيع من غرابة ولا تعقيد، ونغمات تفصح عن طوايا النفس تشعر بالأمل، وتسري في أرواحنا عذوبة غامرة، وفيضاً من الاطمئنان العميق.
سيقول بعض الناس: إنك تقيد الشاعر، وتسلبه حريته في التعبير. وجوابي على هؤلاء أنه لو كانت الحرية غلواً في التعقيد، وشذوذاً في التعبير، وتكلفاً مقيتاً، ولهواً بالقشور، والوقوف على أي طلل للبكاء والنحيب، والاندفاع وراء كل رغبة مجنونة، فلتذهب الحرية إلى الشيطان