للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأسبوعي لاستقصاء الدرس، وتنظيم الامتحان العام على النحو الذي يحرِّج ولا يخرِّج

وما أظنني أعدو الصواب إذا قلت إن الثقافة العامة للشاب إنما توزن بالقدر الذي يحصله من ثقافة لفته. فإذا استطاع بعد المدرسة أن يقرأ فيفهم، ويكتب فيحسن، استطاع أن يجد السبيل إلى كل علم والدليل إلى كل غاية. والمثقفون متى تركوا مقاعد الحياة المدرسية إلى مواقف الحياة العلمية، تبخر من رءوسهم أكثر ما تعلموه، فلا يكاد يبقى من ثقافتهم إلا ما حذقوه من اللغات وما شدوه من الآداب ذلك إذا كانت ثقافتهم الأدبية ثابتة الأصول نامية الفروع، فإذا كانت كغيرها من الثقافات الأخرى سطحية رخوة أني عليها النسيان فيصبحون أميين في المخطوط بعد أن كانوا أميين في الخط

أمامكم الساسة والقادة والزعماء والعلماء والمصلحون في كل أمة، هل تغني عنهم علومهم وعقولهم عند الناس شيئاً إذا لم يملكوا ناصية البيان فيقنعوا إذا كتبوا ويؤثروا إذا خطبوا؟ كلا يا سادة! إن العالم من غير أدب معمل ساكن. وإن الزعيم من غير بيان تمثال صامت. وإن المصلح من غير بلاغ مصباح مطفأ.

سيداتي، سادتي. لا بأس في أن نيسر النحو والصرف والبلاغة على الطلاب؛ ولكن البأس كله في المدى الذي بلغه هذا التيسير. لا بأس في أن نحذف الغث من التقديرات والتعليلات التي فلسف بها النحاة النحو، وننبذ الأوجه الإعرابية التي بقيت في اللغة أثراً من اختلاف اللهجات في الجاهلية، فبلبلت الألسن، وهوشت القواعد، وجعلت كل صواب خطأ وكل خطأ صوابا؛ ولكن البأس كله في أن نجرد علوم العربية من خصائص القوة والخصوبة والبراعة لتصبح أشبه بالهيكل العظمي، فيه الخفة والبساطة والشكل، وليس فيه العضل والعصب والروح.

إن ما يبقى من هذه العلوم يعد النقصان، وما يبقى من هذا المنقوص بعد النسيان، لا تحيى به لغة ولا يبقى عليه أدب. وإن استطاع يوما أن يجيز امتحاناً أو ينيل شهادة، فلن يستطيع أبداً أن يخرج أمثال من خرجهم الأزهر، كمحمد عبده وسعد زغلول وطه حسين والمنفلوطي والبشري، ولا أمثال من خرجتهم دار العلوم كجاويش والمهدي والخضري والسكندري والجارم، ولا أمثال من خرجتهم مدرسة القضاء كأحمد أمين وعبد الوهاب عزام والخولي، ولا أمثال من خرجتهم مدرسة المعلمين العليا كالمازني وشكري وأحمد

<<  <  ج:
ص:  >  >>