إلى عمه الطفل لتنشئه على هذا التخويف المستمر بالعفاريت و (البعابع) لا بد أن ينشأ على استعظام كل شئ واسترهابه، وإن خيل إلى الأستاذ المسيري أن الوالد اللبق استطاع أن ينقذ ولده من عقابيل ما صنعته العمة المحترمة. . .
إن هذه الأخطاء اللغوية التي يعترف الأستاذ بورودها في مجموعته وذلك في المقدمة لا تنقص من قيمة أدبه وفنه مطلقاً، وإن كنت أبغض أشد البغض أن يتهاون أحد من الكتاب أو أن يغض من أمر اللغة. وبالرغم من ذلك، فأقاصيص من القهوة، هي من أمتع ما قرأت من مجموعات القصص المصري الحديث، وهي شئ يبشر بمستقبل باهر ونضج قريب للأقصوصة المصرية التي هي ظاهرة من أقوى ظاهرات الأدب وأحبها إلى القلوب؛ فأقصوصة (حلة العيد) و (الحاج بكار) ثم قصة (الحياة في القهوة) لا تقل عن أبدع ما أنشأه تشيكوف وأندرييف وجوركي من القصص القصيرة. وليس هذا كلاماً نلقيه على عواهنه، فلمن شاء أن يقرأها وأن يرى بعد ذلك رأيه فيما نقول. . . وسأذكر دائماً أن ميزة الأستاذ المسيري هي قدرته على تحديد هدف القصة، وخلق موضوعها خلقاً كاملاً طريفاً
أما المجموعة الثانية (شعاب قلب) فهي للأستاذ الصديق حبيب زحلاوي المعروف بسعة اطلاعه على طرف الأدب الغربي وقدرته على تميز جيده من رديئه. والأستاذ زحلاوي من أدبائنا العصاميين أيضاً، فهو - كالأستاذ المسيري ليس أستاذاً في جامعة، ولا مدرساً، ولا محرراً صحفياً. . . لكنه من الشباب الذين آثروا الأعمال الحرة، وهم مع ذاك من رجال الأدب. فإلمامهم بالحياة - مصدر الأدب الأول، ومعين المعرفة الذي لا ينضب، ونبع التجارب الذي لا يغيض، هو إلمام الأديب الفيلسوف الناقد الذي يستطيع أن يرد كل شئ إلى أسبابه وأن ينفذ إلى علل الأشياء فيجلوها ويبسطها تبسيطاً عجيباً. . . وشعاب قلب كما قدمنا مجموعة من الأقاصيص التي تشبه المرآة السحرية، تنظر فيها الحسناء السورية، فترى في المرآة حسناء مصرية. . . وقد يحدث العكس. وإذا صح أن نشكر رذيلة من رذائل الماضي، فنحن نشكر للعسف العثماني في أسود عصوره الخالية مطاردته للأدباء اللبنانيين والسوريين لتنال مصر نصيبها الأوفى منهم، فقد ولى معظمهم وجوههم شطر مصر، فأووا منها إلى ركن أمين. . . ولله حبيب إذ يقول: (طوتني مصر كما طوت الآلاف من الناس الذين وفدوا مثلي عليها، فأقلمتني بإقليمها، ونفخت في روحها، وألهمتني