وحي بيئتها، فصيرتني كأحد أبنائها، أقوم بالواجب المفروض بمثل ما يقوم به كل مصري مخلص حر. ولما كنت أعود بذاكرتي صوب الشام، مسقط رأسي ومهد حداثتي، كنت أحس بالحرمان يمزقني ويكبت روحي، وأشعر بالواقع يسترضيني ويتودد إلى. . . حقاً لقد علمتني مصر أن أرى فيها وطني وأهلي، ولقد تعلمت منها كيف أبادلها جميلاً بجميل ووفاء بوفاء. لقد علمتني كيف أحبها وكيف أحافظ على حبي مسقط رأسي ومهد ذكرياتي، وكنت أصيح بسمعي دائماً إلى أنات قومي وأوجاعهم وأسعى جهدي إلى مزجها بأنات إخواني المصريين الموجعين!. .) هذه آيات الوفاء ينبض بها قلب مخلص وفي. . . ونحن والله نرد التحية بأحسن منها، ونشكر المقادير التي وحدت آلامنا وأمانينا حتى أثمرت هذا الثمر الجني. . .
ثم ما أجمل بعد هذا شعاب قلب! إنها أرواح صداحة تملأ الكون شعراً وجمالاً وموسيقاً، وإن غسلته بالدموع أحياناً. . . إنها صور وافرة تزدحم بها السطور ازدحاماً عجيباً، فهذه الفكرة تدفع في ظهر تلك، وتلك تأخذ بتلابيب التي بعدها. . . فهلا انتظمت جميعاً في قصيدة رائعة واحدة؟! إنها شعاب قلب حقاً. . . بل هي قطع من قلب معذب، ونفس حائرة، تجيد العناء والبكاء والضحك، كما تجيد النفاذ إلى قلوب المحبين ونفوس الموجعين ومهج الحزانى. . .
ولكن. . . وآه من لكن الملعونة هذه!
ما هذا اللغو يا صديقي الذي لغا به صاحبك في أقصوصة الآباء البيض! ومن زعم له أن لا فائدة من علوم الكهنوت للذين يتهيأون لأن يطلوا على أرجاء الحياة السحيقة من كوّات الدين، وأن علوم الدين على وجاهتها وقداستها تغل العقول وتضيق الأذهان وتبلد الرجولة في الإنسان؟. . .
وما هذه الأحلام المزعجة عن خيانات الأزواج والزوجات؟ وفيم كل ذلك العنف وكل تلك الألوان الصارخة. . . حيث كانت الألوان الرمادية، والألوان الصافية - الألترامارين! - ألطف وأحرى وأنسب؟ أما النادي الشرقي، فقضيته في مجموعتك البديعة لا تقام إلا فيه، لأن فيه قضاتك. وأما اللغة وأغلاطها الكثيرة التي نبهك إليها الأستاذ العقاد في المقدمة فهي سوءة لا تغتفر لك