يحتاج هؤلاء الوعظ إنما يحتاجه الشباب. وسأل أين الشباب؟ فأجلوه عن أن يخبروه، ثم قالوا: إن الشباب في السينمات والمراقص ونوادي القمار. . . قال: وما السينمات والمراقص؟ لم يكن الشيخ يدري ما هي، ولم يكن يعرف من الدنيا إلا مسجده وداره، ولا يسمع إلا حديث العلم، وقال المصنف، وذكر الشارح وعقب عليه المحشي. . .
قالوا: إن المراقص أبهاء واسعة تمتلئ بالناس وفي صدرها منصات عالية لها ستر ترتفع وتنسدل، يقوم عليها نسوة عاريات إلا من خرق لا تكاد تستر من أجسادهن شيئاً، يقفزن ويلعبن ويحركن أيديهن وأرجلهن. . .
قال: حسبكم، حسبكم! إنا لله وإنا إليه راجعون! نساء يلعبن أمام أعين الرجال الأجانب؟! ما ظننت أن مثل هذا يكون في دار الإسلام، قوموا بنا إلى المرقص!
قالوا: إلى المرقص يا مولانا؟!
قال: نعم. نتقى مثل لعنة داود وعيسى بن مريم، ونغير هذا المنكر بألسنتنا إذ قد قعدت بالحكام رقة دينهم عن أن يغيروه بأيديهم.
قالوا: يا مولانا، إنهم يسخرون منا ويؤذوننا، ولا يصغون لمقالنا.
قال: ما نحن بأفضل من الأنبياء، وما نفوسنا بأكرم علينا من نفوسهم. ولقد سخر منهم وأوذوا في سبيل الله فما ضعفوا ولا استكانوا، وإنما علينا البلاغ والهدى هدى الله.
قالوا: إن المدارس قد ابتدعوا فيها هذه الأيام بدعة جديدة من أخزى البدع وأرضاها لإبليس، وهي أن تبرز البنات سافرات حاسرات فيلعبن أمام الرجال، فلنبدأ بالمدارس قبل المراقص فأنهم سيقتلون فيها الأخلاق، باسم الرياضة والصحة والفن!
قال الشيخ: بل نبدأ بالمراقص إن شاء الله.
فلما رأوا منه الجد والإصرار، قالوا: أمهلنا يا مولانا حتى نعد لك مكاناً فيه تعظ من الناس.
وذهبوا إلى (مرقص أبي نؤاس) فسألوا صاحبه أن يؤجرهم المسرح ربع ساعة ما بين الفصلين، ليجئ الشيخ فيعظ فيه الناس. فنظر الرجل فيهم لعله يبصر تحت معاطفهم المسروقة ثياب المستشفى التي فروا بها من (القصير) وابتعد عنهم خشية أن تعاود أحدهم جنته فيثب على عنقه فيخنقه أو يشج رأسه بحديدة يخفيها في كمه، ودعا أعواناً له لينقذوه من هؤلاء المجانين الذين يريدون أن يجيئوا بشيخهم ليعظ الناس على مسرح التياترو. . .