ولكن القوم قطعوا عليه ما هو فيه وجروه من رسنه فانقاد ذليلاً طيعاً، حتى عرضوا عليه في هذا ال (الربع من الساعة) نصف ما يكسبه في الليلة كلها، وقبل منهم وشيعهم إلى الباب، ولكنه لم ينس أن يقبض المبلغ منهم قبل أن يغلقه دونهم.
وفرح الرجل بهذا الإعلان الجديد عن مرقصه، وأمل أن يغلب به (مرقص مطيع بن أياس) الذي يقوم إلى جنبه يزاحمه ويقاسمه قصاده، وانتظر أن (يمثل) الشيخ (مهزلة) تكون (رواية الموسم)، وذهب فطبع (إعلانات) ضخمة عن (المفاجأة المدهشة) التي ستروع الناس، وجاء الناس يرون هذه المفاجأة وما يقع في وهم أبعدهم خيالاً، إلا أنها راقصة جديدة، أو أنها رقصة مبتكرة، وماذا يكون في المرقص إلا الرقص؟!
وكنت تلك الليلة هناك، ورقصت (فلانة) رقصة عبقرية مبدعة عرضت فيها من فنونها وفتونها عجباً ما رأى الراءون مثله، وجننت الحاضرين حتى ما يدرون من الفتنة ما يصنعون، وحتى دميت الأكف من التصفيح والتصفيق، وبحت الحناجر من الهتاف والصراخ، وأرخى الستار على الراقصة وهي أحب إلى كل واحد منهم من زوجه وولده، وما واحد منهم إلا ويبذل في ساعة منها ماله وشرفه ودينه، وجعلوا ينادون باسمها، يريدون أن يمتعوا أبصارهم برؤيتها كرة أخرى، فلما تمادى غيابها أقبلوا يرددون أسمها في إلحاح واتصال، ويقرعون الأرض بأقدامهم فعل الصبيان، ورواد الملاهي. لهم عقول كعقول الصبيان، فارتفع الستار ونظروا. . .
نظروا فإذا هم يرون مكان ذلك الجسم الحبيب المشتهى، وذلك العرى المغري الفتان، شيخاً جالساً بعمامته ولحيته وجبته، شيخاً حقيقياً لا تمثال مكسواً ثياب المشايخ، ولا شيخاً مزوراً من شيوخ (التمثيل)!
وبدأ الشيخ درسه بحمد الله والصلاة على رسول الله؛ وربطت الدهشة ألسنة الحاضرين لحظة، فكانت سكتة شاملة، ثم صحوا فجأة، فكان الانفجار. . .
إن كل محاولة لوصف هذا الانفجار إنما هي إفساد وتشويه لصورته في نفس السامع، وإنك تعرف هؤلاء الناس وإن فيهم كل ماجن خبيث، وجبار فاجر، وفيهم السكران وفيهم الحشاش، وقد جاءهم هذا الشيخ في الساعة التي اكتملت فيها نشوتهم، وطغت (براح الراقصة) سكرتهم، ليتلو عليهم حديث التقى والصلاح من فوق منصة المرقص، وليقول