يلحق بهم أو يطيف بأبوابهم من رجال الدين والعلم. غير أنا نجد بين حين وحين اسماً من اسماء الدهماء والعامة يذكره المؤرخ عفوا، وهو امل في نظرنا على صفة أهل مصر من تلك الأعلام العالية والاسماء الضخمة التي ملأ قدماء المؤرخين كتبهم بوصفها، وبنوا عليها أحكامهم لان تلك الاسماء المشهورة لم تكن في أغلب الاحوال من أهل وان كانت من أهل مصر، فهي غير جديدة بأن نتخذها أساساً للحكم على أهل مصر. واني ذاكر هنا اسماً من هذه الاسماء المتواضعة لعلي أبين من وصفه ان شعب مصر الحقيقي كان فيه رجال، وان البطولة كانت تسري في عروق عامته الذين لم يحظوا بتخليد التاريخ.
كان من أهل مصر في اول القرن التاسع عشر رجلاً متواضع الصناعة اسمه حجاج. وقد كانت صناعته بيع الخضر فكان اسمه يذكر دائماً مع اسم صناعته، فكان الجبرتي رحمه الله يذكره إذا ذكره بسام (حجاج الخضري)
وكان العصر الذي فيه حجاج عصراً فذاً في تاريخ مصر منذ عهد الفتح العربي الأول. فقد اعتاد اهل مصر منذ قرون طويلة ان يتركوا أمر السياسة والحكم والحرب لمن غلب على البلاد من الدول أو من الجماعات وتمادوا في ذلك الاعتياد حتى صارت عقيدتهم أن الحكم واجب على غيرهم، وان واجبهم الابتعاد عنه وعما يستلزمه من نضال ومغامرة. غير ان غزوة الفرنسيين هزت البلاد هزة عنيفة تصدعت لها العقائد الثابتة. فاذا بأهل مصر يرون الجنود الاجنبية تطرد جنود السلطان الذين اعتادوا الخضوع لحكمه وتشتت شمل المماليك الذين قضوا الاحقاب يتصرفون في أمور البلاد تصرفاً مطلقاً، فأصبحوا وجهاً لوجه أمام حالة جديدة لا تدعمها عقائدهم الاولى ولا عاداتهم الموروثة.
وبدأت روح أهل مصر تتنفس، وبدأت حواسهم تتنبه، فاذا بهم يثورون على الفرنسيين في شوارع القاهرة وأزقتها مرتين في مدى سنتين، وإذا هم يلقون اعداءهم المسلحين وهم لا يحملون الا الهراوي والحجارة، ويحتمون منهم وراء متاريسهم وخنادقهم يقيمونها في عرض الطرق وعند مداخل الميادين. وكان حجاج الخضري من زعماء تلك الثورة الشعبية وأبطالها، فيمز نفسه بقوة الجسم ورباطه الجأش وثبات الجنان، حتى صار أبناء البلد ينظرون اليه نظرهم إلى القائد المحبوب الموثوق به، يهرعون اليه عند الكوارث ويصرخون باسمه عند الهيعات. ثم خرج جيش الفرنسيين وعاد الحكم إلى السلطان