جعلها مقياساً للعظمة، وإني باعتباري مؤرخاً لا يحق لي مطلقاً أن اخدع نفسه وقرائي بجعل الشهرة عظمة. إني لا أجد اليوم موسيقياً بعد (مولر)، وأذكر (ليبرمان) في أول قائمة الفنانين العالميين، وأسائلنفسي وقرائي عن (كاتب القرن الحالي) الذي يحق له إحراز هذا اللقب النبيل، والذي له الفضل في تربية ملكة الذوق لجيلنا الحاضر فلا أجد (برنارد شو)، كما كان (فولتير) كاتب القرن الثامن عشر، نعم إن هناك كتاباً يفوقون (شو) سواء في قوة الابتكار أو سلاسة الأسلوب ومتانة التعبير، واذكر منهم: ابتمان، وهمسون، ومان، ودانزيو، وبيراندللو، ورولان، ولويس، ولكن (شو) قد اثر بآرائه ومداعباته واستحواذه على لب القارئ اكثر من سواه.
وإذا خطر لنا أن نتكلم عن السياسة حق لنا أن نعترف بأن رجالها قد احتضروا واختفوا من الأفق سراعا: ويلسن، ولينين، وكليمنصو. أما (لويد جورج) فشيخ رجال السياسة الحاليين وأكثرهم دهاء، و (موسولينى) أخطرهم وأصغرهم سناً، ولكن إذا تحدثنا عنه كسياسي، أيحق لنا أن ننعته بالعظمة؟ كلا! في الحكم للمستقبل. وموسوليني يؤدي الآن دوره على خشبه المسرح، وقد انصبت الأنوار فجأة عليه من كل جانب فاخفت (الرتوش والمكياج) التي تخفي شخصيته الحقيقية، وتظهره أمام الجماهير في ثوبه الخيالي معبودا للشعب؛ انه لا يزال في الفصل الثاني من الرواية التي تمهد القيام بدور البطل فيها، وليس لأحد أن يتكهن إذا كانت الستار سيسدل عن تصفيق واعجاب، او عن استهزاء وسخرية!
وإذا ذكرت سياسي الجيل الحاضر، فإني أتحدث عن (فينزيلوس) اليوناني و (ما زاريك) التشيكي: فالأول سياسي محنك ورجل داهية، والثاني حلم بني وطنه لعشرين عاماً، كما أن زعماء المضطهدين - لسان حال الشعوب المظلومة - قد أحرزوا الإعجاب بمبادئهم الاشتراكية السامية، وضربوا احسن الأمثال لأممهم في التضحية، وأخص بالذكر منهم:(مكسويني) محافظ كورك الذي ذهب ضحية إخلاصه لمبدئه، و (غاندي) نجم الهند - بل الشرق - الوحيد.
أما رجال العلم والصناعة فقد كان الجيل الماضي حافلا بالكثير من شخصياتهم البارزة. أما جيلنا الحاضر فمفتقر إلى طائفة كبيرة منهم، فانه لا يوجد اليوم علماء للآثار القديمة جديرين بإحراز هذا اللقب الذي استخلصه لنفسه شامبليون، ولا مؤرخون يستطيعون ارواء