ظمأ المتعطشين إلى نظريات حديثة، ولا علماء في الاقتصاد والتشريع والفلك كعلماء القرن الماضي من الإنجليز أو الألمان.
إن عالمنا اليوم لا عمل له سوى الجمع بالنسبة للماضي، والتمهيد بالنسبة للمستقبل، ومع كل فهناك شخصيات برزت في بعض الصناعات التي كان العالم في اشد الافتقار إليها. فبركلند، وايد النرويجيان انتشلا شعوباً من المجاعات بإقدامهما على استخراج النتروجين من الهواء؛ و (هابر، وارنست، وارينوس) أول من أحدثوا نظريات جديدة بشان السوائل، كذلك (بور) الدنمركي و (بلانك) الألماني، والى جانبهما تأخذ (مدام كوري) مكانتها العلمية كامرأة واصلت البحث والدرس بعد موت بعلها بعشرين عاما.
أما علماء النفس فعلى رأسهم (فرويد) الذي أيقظت نظرياته الحديثة شعور ألوف المثقفين في العالم؛ ويجئ دور (اينشتين) شيخ علماء الحكمة الطبيعية الذي زحزحت نظرياته الرياضية الكثير من الاعتقادات العلمية التي كانت سائدة في أذهان علماء الأجيال الغابرة.
وهناك (مركوني) الإيطالي و (اركو)، والى جانبهما (اخوان رايت) و (فورد) والى جانبهم أبطال الصناعة الذين لهم الفضل في ابتكار اللاسلكي وبناء الجسور وحفر الترع وتشييد المنشآت الهندسية الحديثة كمحطات الكهرباء والخزانات والمصارف وناطحات السحاب.
ولكن أين هم هؤلاء الأبطال؟ من هم أساتذة الصناعة والفن اليوم؟ من يعرف منشئ جسر اليشون أو ارث الخامس أو خزان أسوان؟ من الصعب أن نعرف أسماء كل هؤلاء الأبطال، لان أعمال الشركات خيمت على جهود الأفراد، وجهود الأبطال قد اندمجت في أعمال الشركات. وعندما تنحدر الشمس إلى المغيب ونجد مكانها الأنوار الكهربائية المتلألئة، لمن نتوجه بالحمد على كل هذا؟ لمن الفضل في سر الاتصال بين الأمم بأسلاك التلغراف وفي نقل الرسم والصوت من مكان قصي فوق ثلوج سيبيريا إلى عبيد الكونغو مثلا؟ إن أحدا لم يستطع تذليل العلم وتسخيره في أغراض المجتمع وأفادته كما استطاع ذلك خالد الذكر (اديسون).
وهكذا نأتي في النهاية لنشيد بذكر اكبر عالم نظري إلى اعظم مخترع عملي، أولهما ألماني وهو عقل العالم الذي يميز به حقيقة الاشياء، وثانيهما أمريكي وهو عين العالم التي ترى بها الضوء، كلاهما نشأ فقيرا معدما، ليس مدينا لأحد ألا لعبقريته ونبوغه، هما (ايمانيس)