نادرة فكهة، وحادثة مطربة. وهنالك تنوع ظريف في الحوادث والفكر؛ بيد أنه يلاحظ أن القصص الغرامية تشغل أكبر حيز وتفوز بأكبر نصيب، وربما كانت تسعة أعشار المجموعة كلها. وهنا تبدو براعة بوكاشيو وفنه بصورة بارزة؛ فهذه المجموعة الغرامية الحافلة بعيدة عن التماثل الممل، وفي كل منها نجد مأساة أو مهزلة غرامية طريفة؛ وربما صيغ بعضها في أثواب مغرقة، وتضمنت فكراً أو مواقف مستحيلة، ولكنها على العموم تنفث نفس السحر والمتاع
وهذا الأفق الغرامي الساحر هو الذي يسود قصص الأيام العشرة؛ وهنا يبدو بوكاشيو في ذروة فنه وسحره؛ فالحب هو قوام المجتمع، وهو متاع الحياة، والحب يمد المرأة والرجل معاً بكثير من البراعة والعزم والخيانة والشجاعة والكرم، والإقدام والغدر؛ وفي أحيان كثيرة يمزج بوكاشيو المأساة بالهزل والفكاهة؛ فهنا زوجة خؤون تدبر أن يضرب زوجها في نفس حديقته من يد حبيبها، وتحمله على منازلته كعنوان على الإخلاص والحب؛ وهنا طالب عاشق يسير طول الليل فوق الجليد جيئة وذهابا، بينا تحدجه الحسناء وحبيبها باسمين من وراء النافذة؛ وهذا قس ساذج تستخدمه زوجة عاشقة دون أن يدري في توثيق علائقها بحبيبها المنشود وتدبير وسائل التمتع بوصله؛ وهذه زوجة خبيثة تدبر لحبيبها الوصل في منزلها وفي فراشها، بينا زوجها يضرع إلى ربه مستغفراً عن ذنوبه في مكان آخر من الدار؛ وهذا قس خبيث يفترس فتاة ساذجة تحت ستار الوعظ والهداية؛ وهذه راهبة مضطرمة تحتل لاقتناص جنان الدير حتى توقعه في شرك وصالها، وغير ذلك مما يضيق المقام عن ذكره
ومما يلاحظ بنوع خاص أن بوكاشيو يحمل على الأحبار والقسس بشدة، وينوه في كثير من المواطن بأخلاقهم الفاسدة وشهواتهم الوضيعة، يسترونها تحت ثيابهم ومظاهر ورعهم الغادرة؛ وإليك كيف يعرض بوكاشيو نظريته في خبث رجال الدين على لسان بانفيلو أحد الفتيان الثلاثة إذ يقول:
(سيداتي الحسان، لقد خطر لي أن أقص عليكم حديثاً ضد أولئك الذين يسيئون إلينا دائماً، دون أن نستطيع نحن الانتقام منهم؛ وأعني بذلك رجال الدين الذين أعلنوا حرباً صليبية على زوجاتنا، والذين إذا ظفروا بواحدة منهن، تصوروا أنهم قد غنموا غفران الذنب