والعقوبة؛ وفي ذلك يعجز المدنيون عن مقابلتهم بالمثل، وإن كانوا يصبون جام انتقامهم على أمهات القسس وأخواتهم، وخليلاتهم، وبناتهم، ويطاردونهن بمثل الحماسة التي يطارد بها القسس أزواجهم)
فيجيب زميله فيلوستراتو:(إن الحياة الفاسقة الدنسة التي يحياها رجال الدين، وهي في كثير من نواحيها عنوان دائم للخبث، تقدم بكل سهولة فرصة لذوي العقول ليحملوا عليها ويجرحونها)
ويقد إلينا بوكاشيو مجموعة متباينة من القسس الذين فاضت نفوسهم بأروع صنوف الاجتراء والإثم، ويصور لنا خبائثهم ودسائسهم وتحيلهم على استباحة الأعراض بكل الوسائل، واستتارهم في ذلك باسم الدين؛ كذلك يقدم إلينا طائفة من الراهبات اللائي يضطرمن وراء جدران الدير توقاً وجوى، ويلتمسن تحقيق شهواتهن بأخس الوسائل؛ وفي هذه القصص الكنسية يبدو بوكاشيو في ذروة فنه وسخريته اللاذعة، ومع أنه يشتد في حملته على الكنيسة وأحبارها، فإنه يحيط هذه الصورة الخبيثة بكثير من الدعابة والمرح
وقد أثارت هذه القصص المثيرة سخط الكنيسة الكاثوليكية على الكتاب ومؤلفه، فوضعته فيما بعد في قائمة الكتب المحظورة؛ ولكنها لما رأت بعد ذلك أن هذا الحظر لم يحل دون ذيوع الكتاب، سمحت بظهوره في القرن السادس عشر في ثوب مهذب رفع منه القسس والراهبات واستبدلوا في صلب القصص الأصلية بسيدات وسادة
وقد كتب بوكاشيو قصصه بكثير من الحرية والبساطة؛ وإذ كان معظمها يتحدث عن الحب والوصل، فإن مؤلفها لم يحاول تحفظاً في وصف المناظر والصور، ولم يحاول تكلفاً في اللفظ أو التعبير؛ وعلى ذلك فقد يبدو لنا أن قصص الأيام العشرة تخرج في كثير من المواطن عن حدود الحياء والحشمة؛ والواقع أن بوكاشيو يحدثنا عن الحب والوصل، وعن العلائق والشهوات الجنسية في كثير من البساطة والصراحة، ويقدم إلينا هذه الصور الغرامية المضطرمة عارية لا يسترها لفظ أو تحشم؛ ولكن هل يجوز لنا مع ذلك أن نعتبر قصص بوكاشيو أثراً خليعاً ينبو عن معيار الحياء والحشمة والخلق الرفيع؟ لقد وجهت هذه التهمة إلى قصص بوكاشيو منذ ظهورها، ومازالت توجه إليها في عصرنا؛ واضطر بوكاشيو نفسه أن يجيب عنها في خاتمة مجموعته، وأن يبرئ نفسه من قصد العبث