للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والإسفاف

يقول النقدة، لقد تحدث بوكشيو كثيراً عن الحب، وأسرف في ملق النساء واسترضائهن؛ ويجيب بوكاشيو، ولماذا لا؟ لقد ملق النساء أذهان عظام مثل جيدو كافالكانتي ودانتي الجييري، وألفوا في استرضائهن متعة وشرفاً

ويقولون أن بوكاشيو استباح لنفسه وصف المناظر الجنسية المثيرة، واستعمل ألفاظاً تنبو عن الحياء والحشمة؛ ويقول بوكاشيو إنه ينكر هذه التهمة، (لأنه لا يوجد ثمة شيء قبيح يحظر على إنسان ما، إذا استطاع أن يخرجه في صيغ مقبولة، وهذا ما يلوح أنه قد فعل بصورة مرضية)

ويقولون أن هذه القصص تثير فساداً وتحدث ضرراً؛ ويقول بوكاشيو، إن كل شيء في الوجود يمكن أن يحدث الخير والشر؛ فمن ذا الذي لا يعرف أن النبيذ وهو من أفضل مقومات الصحة، مضر بالمحمومين؟ وهل لنا أن نقول إنه ضار لأنه يؤذي المحمومين؟ ومن ذا الذي لا يعرف أن النار مفيدة بل ضرورية للإنسان؟ وهل لنا أن نقول أنها شر لأنها تحرق الدور والقرى والمدن؟ كذلك تكفل الأسلحة سعادة أولئك الذين يريدون العيش في سلام؛ ولكن الأسلحة كثيراً ما تودي بحياة الناس، لا لخبث في ذاتها، ولكن لخبث أولئك الذين يستعملونها. ثم يقول بوكاشيو: فإذا كان ثمة في الأيام العشرة قصص مثيرة أو خارجة، فإنه لا ضير من وجودها، ولم يكن في وسعي أن أكتب غير ما سمعت؛ ولا عصمة لإنسان؛ وفي الحقل النضر تنمو الأعشاب الضارة؛ ولما كنت أقصد أن أحدث فتيات الشعب، فإنه لم يكن ثمة داع للتكلف والبحث عن الصيغ والعبارات المنمقة

هكذا يعتذر بوكاشيو عما عسى أن يبدو في قصصه من خروج على حدود الحياء والحشمة؛ بيد أنه مهما كانت الملاحظات التي تبدى في هذا الشأن، فإنه لا ريب أن قصص بوكاشيو، تعتبر من أقيم الآثار العالمية وأبدعها وأمتعها

وقد كان لمجموعة الأيام العشرة أعظم الأثر في تطور النثر الإيطالي، وتطور فن القصص الأوربي بوجه عام؛ ومازالت آثار بوكاشيو تعتبر إلى جانب آثار دانتي وبترارك، قوام الأحياء الأوروبي، والصرح الأول في بعثه وازدهاره

(تم البحث - النقل ممنوع)

<<  <  ج:
ص:  >  >>