للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أغلاطه في فهم أصول الأدب وأصول الأخلاق

والهجوم على هذا الرجل قد ينفعه أجزل النفع فينقله من حال إلى أحوال، ويحبب إليه التروي والتثبت، ويصرفه عن التحامل البغيض على الأدب العربي، ويقنعه بأن أدب الفطرة أفضل من أدب الافتعال

وأحدد الغرض من هذه الجملة فأقول:

تورط أحمد أمين في أحكام جائرة وهو يلخص تاريخ الأدب بطريقة صحفية

وقد دلتنا تلك الأحكام على أن هذا الرجل صرفته السرعة عن مراعاة المنطق والعقل؛ فما الذي سنصنع في محاكمة هذا الصديق الذي نضيّعه آسفين في سبيل الحق؟ سنقدم إليه من البينات ما يقنعه بأنه يجني على الأدب العربي أشنع الجنايات. وسنريه أن جنايته على نفسه أبشع وأفظع. وسنروضه على الاعتصام بحبل الصبر الجميل، فليس من سيف الحق خلاص ولا مناص

ويعز عليّ أن أوجه إليه هذه السهام وهو يتهيأ لقضاء الصيف في الإسكندرية. ولكن يعزيني أن أعرف أن نسمات الأصيل في الإسكندرية فيها الشفاء من كل داء

في الإسكندرية متاع العيون والقلوب والاذواق، وفي الإسكندرية (صبايا الخُلدِ تسبَح في الرحيق) وفي الإسكندرية مراتع ظباء ومرابض أسود

فاذكرني بالشر يا صديقي أحمد أمين وأنت تواجه الفتن المائجة بين الشواطئ. واذكرني بالشر حين ترى البحر وحين تخطر بشارع الكرنيش. واذكرني بالشر حين تذكر (أدب المعدة) وأنت تأكل طيبات الأسماك بالمكس، وحين تذكر (أدب الروح) وأنت تتفكر في ملكوت السابحين والسابحات، في ظمأ شديد إلى أن أذكر بالشر في ذلك المصيف الجميل!

آه ثم آه! امثلي يؤذي روحاً يصطاف بالإسكندرية وطن الشعر والخيال؟

انتظر يا صديقي، فستراني حيث تحب في المقال المقبل، وإنه لأقرب إليك من رجعة الموج الفاتن إلى الموج المفتون. والحديث ذو شجون

(مصر الجديدة)

زكي مبارك

<<  <  ج:
ص:  >  >>