رحلة من الرحلات، فآخذ منها الفصول والأخبار والأرقام، وأن أعرض على القارئ صورة من الحياة البدوية، إذا هي لم تكن محيطة شاملة، ولم تكن كافية وافية، فهي صحيحة ثابتة، ليست متخيلة ولا مبالغاً فيها، فإن أحسنت فلله الحمد، وإن أسأت فالذنب على من سرق (دفتري) عفا الله عنه وسامحه
وبعد، فهذه رحلة كشفية سلخنا فيها شهرين اثنين وقطعنا فيها خمسة آلاف كيل في الصحراء. . . وركبنا فيها من الأهوال ورأينا من العذاب ما لو سردناه وفصلناه لكان أشبه شيء بالأساطير.
ولم تكن هذه الرحلة من أجل التسلية أو النظر في عجائب المخلوقات وغرائب البلدان، ولا للكسب والتجارة، ولا لشيء مما يرحل أفراد الناس من أجله عادة، بل كانت لمصلحة عامة، وغاية اجتماعية، تعود على بلاد الشام وأرض الحجاز بالخيرات الجمة والفوائد الكثيرة، هي فتح طريق للسيارات بين دمشق والمدينة يسهل على الناس أمر الحج ويرغبهم في أدائه ويوفر عليهم صحتهم ومالهم. ولم تكن هذه الرحلة رحلة واحد يهتم به أهله وأصحابه، ولا جماعة يعنى بهم أقرباؤهم وذووهم، ولكنها رحلة وفد من وجوه الشاميين وسراتهم وتجارهم. وكان الشاميون جميعاً يتبعونهم بأفكارهم ويرافقونهم بقلوبهم وينتظرون البرقيات منهم ويتسقطون أخيارهم، فإذا انقطعت أياماً انتشر القلق وساد الذعر وهاجت الجرائد، وأقبل الناس يسألون عن أبنائهم وإخوانهم. . . فتهتم لذلك حكومة الشام ومملكة الحجاز، ثم لا ينقطع القلق ولا تسكن النفوس حتى يعرف خبر الوفد وتجيء منه برقية أو رسالة.
وكان أول عهدي بهذه الرحلة أن لقيني الشيخ ياسين الرواف المعتمد السابق للملكة العربية السعودية في دمشق، فقال لي: لقد عزمنا على اختراق الصحراء إلى المدينة، نكشف طريقاً للزوار برياً، فهل لك في مرافقتنا؟
قلت: نعم، ومضيت في سبيلي وأنا أراها أمنية من الأماني وأعلم أن بضاعتنا إنما هي الكلام، وأن الوفد لن يسافر، والطريق لن يفتح، ولذلك قلت نعم، وأجبته إلى السفر. وهل كان يسعني أن أقول له غير ذلك؟ تصور بالله مسلماً يستقبل البيت خمس مرات كل يوم، ويحن إلى هاتيك المعاهد، ويرى زيارته منيته ومبتغاه، وعربياً يحب الصحراء ويعرف