دنيته، وغطى بكمه لحيته؛ وقال: قد نقصتك (كذا؛ والصواب: نقصت منك) ذراعين. أجيبيني عن دعوتها)
وقد بالغ الناس في درجة استهزائهم بالدنية واحتقارهم لها. فمن ذلك ما حكي عن أبي الظاهر الذهلي الذي ولي قضاء مصر في شهر ربيع الأول من سنة ٣٤٨ للهجرة أنه (كان في خلافة المطيع يلبس السواد، ويضع على رأسه دنية طويلة تزيد على الدماغ (كذا؛ والصواب: الذراع)، فتحاكم إليه زوجان؛ فبدر من المرأة في حق زوجها كلام، فقال لها: اسكتي هذا القاضي هو أبو الظاهر؛ متى زدت من هذا المعنى نزع الخف الذي على رأسه وقطعه على دماغك. فقال أبو الظاهر: قم يا كذا إلى لعنة الله! من أين لك أن هذا خف؟. . .)
هذه باقة أخبار في لطائف دنية القاضي تناثرت هنا وهناك، وكانت في جميعها مدعاة والسخرية، فكم جلبت تلك الدنيات من الأذى والألم لكثير من القضاة! وكم جرت عليهم من الويلات! وكم من دنية غاصت برأس صاحبها، وكم منها تعاورتها أيدي الصبيان والرعاع وتقاذفتها أرجلهم، وكم من قاض ترك عمله بسببها
فلا غرو أن هذا الملبوس الدخيل على العرب لم يرق لهم، ولم تستأنس عيونهم برؤيته فوق هام القضاة، فما أنفكوا يعرضون به ويستهجنون شكله حتى خف استعماله شيئاً فشيئاً على مر العصور، ثم زال من الوجود منذ عهد بعيد