إلى رسول الله فكنت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراح إلي، وأرت على عاتقها جرحا أجوف له غور)
وقد أحسنت السيدة نسيبة تربية ولديها حبيب وعبد الله وملأت قلبهما إيماناً وصدرهما شجاعة وسواعدهما قوة، وعرف رسول الله فضلهما وقدرهما، وأحضرهما المشاهد وجعلهما سفراء ورسلا إلى من شاء من رجال العرب ورؤوس القبائل، أرسل عبد الله إلى اليمن مع معاذ، وأرسل حبيبا إلى مسيلمة الجبار البطاش المتنبئ كذبا في قومه بني حنيفة وهم من أكثر العرب عدداً وأغناهم وأقواهم بأساً. أتدري ما صنع الكذاب بحبيب؟ لا يملك القلم أن يقصه عليك، وبأشق الجهد أن يرويه لك، ففي الجزء الأول من أسد الغابة في ترجمة حبيب (أن رسول الله أرسله إلى مسيلمة الكذاب الحنفي صاحب اليمامة فكان مسيلمة إذا قال تشهد أن محمدا رسول قال نعم، فإذا قال تشهد أني رسول الله قال لا أسمع، فيقطع منه عضواً، ففعل ذلك مراراً وقطعه مسيلمة عضواً عضواً) اهـ
وقبض المصطفى عليه الصلاة والسلام لأجله، وزلزل المسلمون لموته وارتدت من العرب أحياء وجموع، وكان مسيلمة أشد الخصوم لددا وأقواهم كيداً وأكثرهم مالا وعدداً، كاثر بقومه بني حنيفة واعتصم بحصونه في (اليمامة) وصمد إليه خالد بن الوليد بجيش فيه السيدة نسيبة وولدها عبد الله؛ واستعصى أمر مسيلمة وكاد يهزم المسلمون، ثم تجمع نفر من المستبسلين، رموا بأنفسهم مسيلمة لا يبالون إلا أن يبلغوا إليه وينالوا نفسه، وفي هذا النفر نسيبة وولدها عبد الله، أما نسيبة فجالدت بالسيف حتى بتر ذراعها وأما عبد الله فصمد وألح في الهجوم على مسيلمة مستقتلا مستبسلا حتى أدركه وأغمده السيف. مات مسيلمة فماتت الفتنة بموته وتم أمر بني حنيفة مع ابن الوليد صلحاً؛ وعادت نسيبة إلى بلدها بساعد واحد وولد واحد، وهي بما مضى أسعد منها بما بقى. كل إلى فناء، وإنما الفوز والمجد أن يكون في سبيل الحق ذهاب ما ذهب منك
ونسى التاريخ نسيبة وأغمض العين عن بقية أيامها وضن أن يحدثنا بما نحب من ختام جهادها ومواطن مثواها. إلا إن مثواها الجنة، وإن ذكرها في الطيبات لخالد.