للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من منى أن يوافوه في الشعب الأيمن بأسفل العقبة وأمرهم ألا ينبهوا نائماً ولا ينتظروا غائباً وأن يستخفوا من قريش ويحذروا عيونهم وأرصادهم، وما وافى الموعد حتى كان بين يدي الرسول سبعون منهم. بينهم نسيبة وسيدة أخرى عاهدهم وعاهدوه أن يسعوه بينهم وأن يحموه حمايتهم لأحدهم حتى يبين حجته ويبلغ رسالته. وراحوا بعهدهم يخفون من قريش ومن الناس أن يعلموه، وعادت نسيبة إلى بلدها سعيدة بإيمانها فخورة بعهدها، وقدرت ما يكلفها هذا العهد نفسها على الرمي بالنبل والضرب بالسيف وأعدت لهذا الجهاد ولديها حبيباً وعبد الله.

ودار الزمن وفر الرسول من مكة وهاجر إلى المدينة وتلقاه الأنصار بالنشيد والترحيب، ثم نشبت الحرب بين الرسول وبين المشركين من قريش في يوم (بدر). وشهدها المهاجرون الأولون والأنصار السابقون ونسيبة منهم تسقى من استسقى وتضمد الجرح من جرح، وتشهد غلبة الحق لأول يوم انتصر فيه. وعظم هذا اليوم على المشركين وهم الأكثرون فأعدوا عدتهم وحشدوا للرسول في (أحد) وشهدته نسيبة أيضاً ومعها زوجها وولداها في يمينها السقاء والضماد، واستعرت الحرب وغلب المسلمون ثم نالتهم هزيمة، فما ارتاعت نسيبة إلا لجموع من المشركين تقصد إلى محمد تريد أن تحيط به وتكاد أن تبلغه والمسلمون عنه في ناحية مثقلون بالهزيمة، فألقت السقاء والضماد وسددت بالسهم ورمت عن الرسول بالنبل، حتى التحم به المشركون فشرعت السيف وجالدت القوم حتى جرحت وخارت وارتمت على الأرض مصروعة. وثبت الرسول وهزم عنه المشركون وانجلى من الغمرة ما انجلى وتساءلوا بنسيبة فإذا هي ملقاة يفور دمها من جرح غار بكتفيها. ضمدوا الجرح وسقوها الماء فما تنبهت حتى سألت: وأين الرسول؟ وما صنع المشركون معه؟ إنه لناج وإنه منك لقريب. وجرحك الغائر ودمك السائل وقوتك الموهنة وولداك الناشئان وبعلك الشيخ - كل أولئك منك دون محمد!؟ أجل دون محمد ودون رسالة محمد، لها خرجنا ومن أجلها قاتلنا، ولها نحيا، وفي سبيلها نموت. وبرئت نسيبة ونسيت الفخر إلا بهذا اليوم، وبالأثر الباقي من ذلك الجرح. (روى ابن هشام عن أم سعد قالت: دخلت على نسيبة أم عمارة فقلت لها: يا خالة أخبريني؛ فقالت: خرجت يوم أحد ومعي وعاء فيه ماء فانتهينا إلى رسول الله وهو في أصحابه، والدولة والريح للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت

<<  <  ج:
ص:  >  >>