للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يمكن أن توصل إلى غاية مرضية، هي أن تتناول الحكومات العربية هذا الموضوع. وانتهيت من دراستي إلى أنه يحسن بالحكومة المصرية أن تبادر باتخاذ خطوات رسمية في هذا السبيل، فتبدأ باستطلاع آراء الحكومات العربية المختلفة فيما ترمي إليه من آمال، كل منها على حدة؛ ثم تبذل الحكومة المصرية جهودها في التوفيق والتقريب بين آرائها ما استطاعت السبيل إلى ذلك؛ ثم تدعوها جميعاً إلى مصر في اجتماع ودّي لهذا الغرض، حتى يبدأ المسعى للوحدة العربية من وجهة متحدة بالفعل. فإذا ما تم التفاهم أو كاد، وجب أن يعقد في مصر مؤتمر برياسة رئيس الحكومة المصرية لإكمال بحث الموضوع واتخاذ ما يراه من القرارات محققاً للأغراض التي تنشدها الأمم العربية.

(. . . وقد أخذتُ أنفذ هذه الخطة، فوجهت بالفعل إلى رئيس حكومة العراق دعوة رسمية. . . حتى إذا ما وافق فخامته على هذه الخطوات بحثنا رأي العراق في هذا الموضوع من جهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وسأوجه بعد ذلك الدعوة تلو الدعوة إلى الحكومات العربية وأستقصي من مندوبيها واحداً بعد واحد رأيها في الموضوع نفسه. فإذا ما انتهيت من هذه المباحثات التمهيدية ورأيت منها ما يبشر بالنجاح كما أرجو، دعت الحكومة المصرية إلى عقد المؤتمر في مصر. . .)

وبهذا التصريح الرسمي الآخر أصبح السعي للوحدة العربية حقيقة من حقائق السياسة لا خيالاً من أخيلة الشعر، وعملاً رسمياً من أعمال الحكومات لا أملاً وهميَّا من آمال الأفراد.

وظنُّ العروبة بحكامها وأعلامها أن يخلصوا لها السعي والرأي في هذه المحنة العالمية التي عبثت الشياطين فيها بأنظمة الكون، فاختل التوازن، واضطرب العيش، وذل الحق، وأفلس المنطق. ولا جرم أن سلامة العروبة وحريتها في أن تكون يوم يجتمع الناس للصلح القريب أو البعيد، وحدةً سياسية تنتظم دولها جمعاء من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي، وجملتها لا تقل عن ثمانين مليون نفس. ذلك لأن الدويلات الضعيفة كان لها فيما مضى من الزمن السعيد حارس من سلطان الدين وحكم القانون وعرف السياسة. فكانت تعيش في ظلال الخلق الإنساني العام حرة آمنة، لا تجد من جاراتها الكبرى إلا ما يجده الصغير من عطف الكبير، والفقير من عون الغني. فلما نُكس بعض أمم الحضارة وعاودها داء الهمجية الأولى فتحلبت أشداقها على حدود هذه الدول الصغيرة، لم يعد لها عاصم من

<<  <  ج:
ص:  >  >>