خلقهم الروائي ودربهم على تحويل صور الخيال إلى حقائق بسيطة سهلة ترتسم في الذهن وتنطبع فيه وتقسره على إطالة النظر وإعمال الروية.
في وسعي أن أقول عقب ذلك بدون تردد إن جميع الروايات الموضوعة التي مثلتها الفرقة القومية منذ تكونها إلى يومنا هذا تنقصها العناصر الأساسية للحياة، والفن، والأدب، وأن حضرات مؤلفيها الأفاضل يشبهون في محاولاتهم (نبيّن زين) يطرحون ودعاتهم في الأرض ويرتجلون، وفق وضعية كل ودعة، كلاماً هو عصارة الذهن الكليل بله الهرف والتخريف. أجل كلهم عرّاف أعطاك ما جاد به خاطره من كلام مفكك الأوصال أسماه (الحوار) ومن جمل خطابية رنانة في الدين أو الأخلاق وأمثال ذلك مما تسميه العامة (لبن سمك تمر هندي). في حين أن الرواية هي كقطعة موسيقية تعزفها جوقة من النافخين في الأبواق ومن الناقرين على الأوتار والضاربين الطبول والصنوج، وأنت إن أرهفت سمعك وكنت من أصحاب الوعي والذوق والشعور، تحس بنغمة هادئة ناعمة تبدو كالهمسة الرفيقة تربط الأصوات النابرة في هذه الآلات وتوحد فيما بينها توحيداً بارعاً يجعلها كالروح الشائعة في الجسد. فهذه الوحدة في القطعة الموسيقية هي التي تغمرك بفيض من النشوة تجعلك ترتفع إلى مقام الغبطة بغيبوبة الفرح، وهكذا الرواية لابد لمصنفها من خلق وحدة فكرية تدور حولها الوقائع والأشخاص.
وأنت يا صاحبي مؤلف رواية (الموءودة) التي افتتحتها بآية من الكتاب الكريم: (وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت) أنت واحد من هؤلاء الذين طرحوا ودَعاتهم أمام لجنة التحكيم، فكان من دواعي الصدف العمياء أن حكمت بردها، فأبيت إلا التمرد على هذا الحكم فطبعت الرواية أي أنك سجلت على نفسك واقعة أدبية غير موفقة.
أزعم أن الذي شجعك على اتهام لجنة التحكيم وأغراك بطبع الرواية هو أن الفرقة القومية قبلَت ومثلت روايات من نوع أردأ من (الموءودة) نذكر منها على سبيل المثال رواية (اليتيمة) غير أن سبيل النجاح يا صاحبي ليس في الانحدار إلى الوضاعة ومحاكاتها بل في التطلع إلى الكمال.
حدثني أديب كان قد توفر لكتابة القصة والرواية وانقطع لهما قال: أتمنى لو يكلف مدير الفرقة كبار الأدباء بتأليف روايات للمسرح وأن يغريهم بالأجر المناسب، فمبلغ ثلاثمائة