(الدوبارة، والفانلات، والجوارب، وبكر الخيط، والقطن الطبي). فأصبحت بهذا النمو العجيب في هذا الوقت القريب من أكبر المصانع العالمية.
عمل جسيم من أعمال الإدارة والفن، غزت به هذه الشركة ميادين الاقتصاد في البلاد، وفتحت الطرق الموصدة أمام الرءوس المصرية، والأيدي المصرية، لتفكر بنفسها، وتعمل لنفسها، وتنسج من القطن المصري الجميل، مجد الكنانة واستقلال النيل.
هذه هي الوطنية المثمرة بوسيلتها وغايتها. فأما ثمرة وسيلتها فتوظيف الأموال المصرية في أضمن مكان وأرج مورد، وتخفيف العطلة باستخدام هذا الجيش الكثيف من العمال وما يتبعه من مرشدين ومهندسين وكتبة، واستهلاك مقدار من القطن المصري قد يربو على خمسمائة ألف قنطار، ثم نشر الثقافة الآلية الحديثة في هذه الصناعة بمن ترسله من البعوث إلى أوربا، ومن تدربه من الأحداث في المصانع. وأما ثمرة غايتها فدفع هذا الاحتلال الاقتصادي الذي أفقر البلاد وأذل الشعب، وحبس أموالنا في بلادنا حتى لا تخرج ذهباً من أيدينا لترجع حديداً في أرجلنا، وإنماء العزة القومية بشعور المصري انه يلبس من زرعه ومن صنعه، وترفيه الحياة المصرية بكثرة الإنتاج ووفرة المكسب وتوزيع الثروة، ثم تمكين النفوذ المصري في الأسواق الشرقية والأقطار العربية، وذلك مجد ورثناه ثم حرمناه منذ طويل.
قَدَرت الأمة الرشيدة غاية هذه الشركة، وعقد آمالها بمستقبلها، وأخلدت بثقتها إلى رجالها، فلم تضن عليها بالعطف والمساهمة. وآية ذلك أنها أصدرت منذ ثلاثة شهور ١٧٥٠٠ سند بثلاثمائة وخمسين ألف جنيه بفائدة ٥ % فبينت كلها على رغم هذه الأزمة! وهاهي ذي تريد اليوم أن تطرح للاكتتاب العام خمسة وسبعين ألف سهم اقتضاها نمو المشروع، واتساع العمل، والتقدير الدقيق لحاجة البلاد، وضرورة التصدير، وضمان المستقبل. ولا ريب أن الأمة التي تئن أنين الأسير المُعاني من الاحتلال والاستغلال والامتيازات، لا تني عن تعضيد هذه الشركة وأخواتها بالأموال والآمال. بعد ما علمت بدلائل التجربة وشواهد الواقع أنها أنجح الوسائل وأقصر الطرق لإدراك الاستقلال الصحيح.