إسبانيا في القرن الرابع عشر، وقبل أن يبلغ العشرين من عمره، اصدر صحيفة أسبوعية كانت تبث المبادئ السياسية المتطرفة في ذلك الوقت، كالجمهورية، والدعوة إلى الاشتراكية ونحو ذلك، وحدث أن قدم ايبانيز إلى برشلونة - مهد الثورة - ليخطب في حفل سياسي، فتناول في خطابه الجمهورية والملكية، وأخذ يفاضل بينهما، فقبض عليه رجال البوليس، ولكنه قاومهم واعتدى عليهم فحكم عليه بالسجن، غير أنه خرج من السجن وقد ازداد إيمانا بمبادئه وتحفزاً إلى تحقيقها، فكون (الحزب الجمهوري الحر) وتقدم في ضوء هذه المبادئ إلى الانتخابات، ففاز بالإجماع وانتخب نائبا في البرلمان الإسباني عن مقاطعة (بلنسية) ولم يمنعه اشتغاله بالسياسة من ان يتفرغ للأدب والكتابة، وهو بلا شك أعظم كاتب ظهر في إسبانيا إلى اليوم، خلف وراءه ثروة أدبية زاخرة، تبلغ الثلاثين كتابا، كل صفحة منها مشرقة إشراق النجم!
أم تقتصر ثورته على الأوضاع السياسية التي كانت تشكو منها بلاده فحسب، بل عرف أنه كان هداما في دائرة الأدب أيضاً، ليبني على أنقاض القديم وجموده، أدبا جديدا حيا له طابعه ومميزاته الخاصة، والحقيقة أن العصر الذي بدأ فيه ايبانيز حياته الأدبية، كان في حاجة إلى من يقوض أركانه، وكان يقول: نحن في حاجة إلى الثورة الأدبية التي تدفعنا إلى كشف مواطن الجمال وتؤدي بنا إلى النور.
ولكن هل أثرت تعاليم ايبانيز حقا فأخرجت الأدب الأسباني من الظلمة إلى النور؟ أن من يتذوق ذلك الفن العميق الرائع الذي خلده ايبانيز في قصصه الممتعة، أمثال: في ظل الكنيسة، وامرأة (جويا) العارية، وفرسان الرؤيا الأربعة، وفاجعة البحيرة، وبحرنا، وزهرة مايو، وأعداء المرأة، ورمل ودم، والأراضي المجهولة الخ، ذلك الفن الذي كان يعتمد في إبرازه على جمال التنسيق ودقة الوصف، وإرهاف العاطفة ويكسوه بإشعاع الروح الدرامي الغامر، حتى يجتهد في أن يجعل من أدبه مرآة صافية لفنه الجميل، تنعكس عليها مختلف الصور والأحاسيس، فتشعر وأنت تطالع قصة له أن شعورك ووجدانك مرتبطان تماما بحوادثها، وأنها تمثل بلاده ونفسيتها أبلغ تمثيل، وقد لا يصرفه كلفه باللوحة ومحاولة إظهار مكامن الفتنة في الصورة، عن العناية بالإطار نفسه، فتجده يقتنص المعاني ويصقل الألفاظ كما يصقل النحات الأحجار قبل البناء، وولعه بالطبيعة يدفعه إلى ان يجاري (زولا)