فيرسم أبطاله وهم يعيشون بين مهادها بعيدين عن تلك العاطفة الزائفة التي تولدها الحياة المصطنعة في المدن، كما أن، إعجابه بالبحر المتوسط - مهد جميع البطولات والأديان - يوحي إليه أن يمجد من أعمال رجاله. عوليس، وبركليس، وهنبيبال، والاشادة بشجاعة فرسانه، ولك في قصته الخالدة
لفت ايبانيز أنظار العالم الأوربي إلى فنه خاصة والى الأدب الإسباني عامة، فترجمت مؤلفاته إلى اللغات الحية وأولع الفرنسيون بقصصه فقلدوه وسام (جوقة الشرف)، وهتف له شيوخ النقدة، فوصفه كورتوس النقادة الألماني (بأن فيه عباره عن مأساة الخير والشر)، وقال أحد القصصيين الأمريكيين (لقد بدأ ايبانيز ينافسنا في صناعتنا، والاوفق أن نحطم أقلامنا ونبحث عن صناعة غير الأدب لنعيش)!
وقد غرست مبادئ فولتير في نفسه كراهية رجال الدين والسخرية من أعمالهم، ففي قصته المسماة ' (في ظل الكتدرائية)، يصور لنا مفكرا اشتراكيا هو (جبريل لونا)، يطالب بالإصلاح الاجتماعي فيكون نصيبه الاضطهاد من الكنيسة، فيثور على رجالها ويحتج ويغادر بلده بعد ان يؤمن بأن لا كرامة لنبي في وطنه! ويطوف باوربا ليبشر بمبادئه، غير أن السلطات تطارده أينما حل، فيعود أخيرا إلى بلده مقصوص الجناح كسيرا، ويضطر إلى ان يعيش متخفيا مع أخيه الذي يعمل خادما (بالكتدرائية)، أي يعود فيأكل من خبز الكنيسة التي يضمر لها البغض، حتى إذا ما اشتد ساعده اخذ يكفر بنعمتها ويؤلب الجموع عليها، يتخذ من خدامها تلاميذ له، ويبث مبادئه بينهم، فلا تلبث هذه المبادئ أن تسري كالسم في أبدانهم، يحملهم على سرقة أموالها وتحفها، ولكنهم في خلال السرقة يقتلونه ويمثلون به اشنع تمثيل!
ولعل فن ايبانيز يبدو قويا واضحا، وأفكاره مستوية ناضجة في القسم السادس من القصة، عندما يحمي وطيس المناقشة بين جبريل واحد اتباعه، فيبسط أمامه حالة إسبانيا وجمود الكنيسة، ويتعرض للفترة الذهبية من تاريخها، فيذكر ان الإسبانيين اعظم من اليونان والبيزانطين، فهم الذين اهدوا البشرية (الدنيا الجديدة) وهم أرستقراطية الشعوب وسادة البحار، قادوا الرواد في سياحاتهم حول الكرة وجابوا الآفاق وبعثوا المدنية من مرقدها، ولو أنصف التاريخ لجعل بلادهم وطن العالم الأول!